رواية احتيال وغرام الفصل الثالث عشر والرابع عشر بقلم رحمه سيد حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الفصل الثالث عشر
كان الجميع مجتمعون في حديقة المنزل يتناولون افطارهم سويًا، حتى هبت عليهم العاصفة التي تمثلت في "حامد" الذي وقف أمام باب المنزل يصرخ بجنون في حارسان المنزل:
-إبعدوا من قدامي قولتلكم هدخل يعني هدخل
والاخران لم يملكا سوى نفس الرد الذي بُرمجا على عدم الاستجابة إلا له:
-يا استاذ مينفعش، كفاياك مشاكل وامشي من هنا اصحاب البيت مش عايزينك تدخل
حينها ازداد صراخ حامد بجنون أكبر وهو يُخرج سلاحه من جيبه:
-يا قاااااسم، تعالى انت وابنك عشان انا يا قاتل يا مقتول النهارده
تناهى صوته ليونس الذي هب منتصبًا يتجه نحو الخارج بسرعة يتبعه قاسم الذي اكفهرت ملامحه تنبئ بغضب يحاول كتمانه...
وما إن رآهم "حامد" حتى ازدادت حدته وهو يدفع الحارسان من أمامه، ثم زمجر موجهًا حديثه لقاسم:
-خليت إبنك ينتقم مني في بنتي الوحيدة يا قاسم!! بردت نارك وحقدك؟
عقد قاسم ما بين حاجبيه بذهول وهو يردد مستنكرًا:
-ينتقم إيه وجنان إيه، أنت بتقول إيه يا راجل أنت؟!
لتلوح تلك الابتسامة الساخرة المقيتة على ثغره ثم قال:
-بقول اللي بتحاولوا تخبوه، إبنك إعتدى على بنتي وأكيد أنت اللي خليته يعمل كده صح؟! طبختوها سوا بس يا ترى إبنك عارف إنك خليته يعمل كده علشان تنتقم مني علشان أخدت عشيقتك الفاجرة منك!!!
فتقدم منه قاسم بسرعة وقد أطاحت كلماته بالتعقل والثبات المُرصع داخل عقله ليشتعل عقله بالغضب الأسود، ثم زمجر فيه بعنف:
-إخرس يا **** عيب عليك عيب، هي دي الرجولة لسه جاي تطعن في شرف مراتك اللي هو شرفك، وكمان تتهمني بحاجة معرفش ألفتها أمتى!!
فهز حامد رأسه بسخرية مريرة ومن ثم ألصق الواقع بتبريرات واهنة من عقله المعبئ بدخان الحقد:
-على اخر الزمن أنت اللي هتديني دروس في الرجولة والأخلاق؟؟ وبعدين تبرر بأيه اللي ابنك المش محترم عمله في بنتي؟ إيه الصدفة جريحة للدرجة عشان يعتدي على بنتي انا بالذات؟!
كان يونس يراقبهما بعينان سوداوتان حادتان... وحدسه يخبره أن حديث ذلك الرجل حقيقي نوعا ما، ذلك الحقد الذي يُلطخ حدقتا "حامد" من المستحيل أن يكون زيفًا !!...
اقترب يونس منه وهم أن ينطق ولكن "ليال" قاطعته متدخلة بصوت حازم لتهتف بما لم يتوقع أن تنطق به على مرمى ومسمع الجميع:
-يونس معمليش حاجة، ولو سمحت يا بابا امشي من هنا، يونس جوزي دلوقتي!
فتدخل يونس وعينـاه تحكي عن غضب واعر قادر على إبتلاعه في التو واللحظة وصرخ فيه بعروق بارزة:
-أيًا كان التأليف اللي بتقوله ده أحنا مش عايزين نسمعه، أحفظ كرامتك ونفسك وإبعد عن حياتنا انا لحد دلوقتي ماسك نفسي عشان أنت راجل كبير في سن ابويا !
في تلك اللحظات دلفت "فيروز" بخطى سريعة وخفيفة نحو الداخل لتقف جوار يونس واضعة يدها على فمها من الصدمة حينما رأت حامد ممسكًا بسلاحه، رآها جميع الواقفين ولكن لم يكن الوقت المناسب لسؤالها عن سبب تواجدها....
حينها أشهر حامد بسلاحه في وجه يونس وتمتم بحقد ليس غريبًا عليه:
-أنا المرادي مش همشي قبل ما أخد حقي وأنتقم منكوا انتوا الاتنين
وبمجرد أن رفع حامد سلاحه وجهزه للإطلاق إرتعدت فرائص فيروز لترتد مبتعدة عن يونس دون مقدمات.... ربما هي تراه الشخص المناسب ليكون زوجًا لها.. وربما تريد استعادته.. ولكنها ابدا ليست مستعدة لخسارة حياتها في طريق العودة له!!...
إهتزت عينـا يونس وهو يلحظ حركتها التلقائية جدًا والتي كانت كالأعصار هبت على تلك النطفة من العشق المتبقية لها داخله لتطيح بها مع مهب الريح...!
فيما تقدمت "ليال" وبنفس التلقائية لتقف أمام يونس تخفيه بجسدها وهي تهز رأسها نافية وبصوت يقطر منه الهلع:
-أنت بتعمل إيه حرام عليك، مش كفاية الحياه السودة اللي كنت معيشهالي كمان عايز ترملني وأنا في بداية حياتي؟!
كز "حامد" على أسنانه بغيظ والحقد يتضخم ويتضحم داخله.... سابقا اخذ منه "قاسم" قلب زوجته ليحرمه نعيم الحياة الزوجية السعيدة.. جعله يشعر بالنقص طوال حياته مع زوجته حتى كرهها وكره أبنته منها، والان ايضا قاسم يضعه وأبنته في حلبة على عتبة الموت، فيقتلها هو بغضبه او تقتله هي بحسرته فيخسر كلاهما ويخسر هو تحديدا تلك الحرب مرة اخرى....!!!!
عاد ينظر لليال والشرر ينطلق من بين حدقتاه وهو يهدر فيها بنبرة غليظة قاسية:
-إبعدي يا **** انا عفاريت الدنيا بتتنطط قدام عيني دلوقتي
فتابع قاسم متدخلا والقلق ينهش قلبه المعطوب:
-طب سيب السلاح يا حامد ونتفاهم بهدوء
ليعلو صوت حامد منتفخا بالحقد كسيف أسود حالفا ألا يعود لغمده قبل أن يتلطخ بدمائهم:
-مفيش بينا كلام وتفاهم، سنين وأنا كاتم في قلبي بس خلاص، لحد هنا وكفاية مش هسيبك تبوظ حياتي اكتر يا قاسم يا بنداري
حينما رأى يونس أن الجنون قد بلغ أقصاه لدى حامد، مد يده ممسكًا بليال يحاول إبعادها من أمامه متمتمًا بصوت مكتوم حاد:
-اوعي يا ليال
ولكن ليال لم تعيره إنتباه وتشبثت بمكانها كدرع واقي له، ثم أعلنت في وجه والدها علها تردعه عن جنونه وحقده:
-لو مش هتمشي إلا لما تقتله فعلاً يبقى لازم تقتلني أنا الأول، لأني مش هقف أتفرج وأنت بتموت الشخص الوحيد اللي حياتي متمثلة فيه!
وتلك اللحظة كانت نقطة فاصلة في حياة يونس... وقوفها أمامه على أتم الاستعداد لتموت من أجله دون تفكير، وعلى عكس تلك التي حقد على ليال من أجلها..
جعله يشعر فجأة بكيانه كله يرتعش وقد تبخر ذلك الشبح الذي كان يقف حائلاً بين مشاعره الحارة التي فاضت تجاه ليال وبين نقطة الاستسلام لتلك المشاعر ....!!
فشعر بعاطفته تبزع من مغارة الصمت والتخفي معلنة وجودها... معلنة إنتصارها وإنهزام حقده... معلنة أن ليال لم تكن تستحق حقده يوما...
ثم إنتبه لـ ليال التي تقدمت من "حامد" بهدوء وبخطواته ثابتة هاتفة:
-كفياك خراب في حياتي عشان خاطر ربنا
أصبحت أمام حامد فأمسكت بسلاحه وهي تهز رأسها نافية بإصرار إستفز حامد:
-مش هسيبك تقتل حد
ليرفع يده الاخرى عاليًا ليصفعها بعنف دون لحظة تردد وقد أعماه حقده عن كل شيء:
-غوري من وشي يا بنت ال***
ثم جذبها من حجابها بعنف وهو يهزها صارخًا فيها بغل وكأنه ليس والدها ابدًا ولا التي يتحدث عنها زوجته بينما ليال تتأوه بألم:
-ما انتي بنتها وتربيتها هتوقع منك إيه، لازم تبقي **** زيها وتتدافعي عن واحد اتعدى على عرضك وعرضي!
ليتقدم منه يونس يصرخ فيه بنفاذ صبر وقد شعر بكل خلية به تهتاج بحمائية وهو يراه يضرب ليال.... ليال خاصته هو...
-قسما بالله لو ايدك اتمدت عليها تاني ما هعمل اعتبار لسنك، وبعدين مين قالك التخريف ده!!
ليشير حامد برأسه تجاه فيروز التي كانت تراقب ما يحدث بصمت وترقب، ويردد ساخرا:
-قريبتك اللي قالتلي، سبحان الله إتفضحتوا منكوا فيكوا
ليضيق يونس ما بين حاجبيه بعدم استعياب:
-قريبتي مين!!!!
وحينما وقع ناظريه على فيروز أدرك سبب وجودها، وفُتحت بصيرته المعمية ليرى خيوطها التي أحاكتها حولهم كالأخطبوط..!
فراحت فيروز تدافع عن نفسها بسرعة مبررة:
-أنا عملت كده علشان أخرجها من حياتنا بالعافيه زي ما دخلت حياتنا بالعافيه، مكنش في طريقة غير دي يا يونس
ليجذبها يونس من ذراعها بعنف ودماؤوه تغلي بالغضب لتفور على عيناه فتجعلها تلمع من شدة إشتعالها:
-اخرسي، إنتي مين سمحلك تتدخلي في حياتي تاني مش اللي بينا كان انتهى
لتهز فيروز رأسها نافية بدموع تماسيح تحاول إستعطافه:
-لا يا يونس انا عرفت إنها كدابة وخبيثة وعملت كده عشان تبعدنا عن بعض، سامحني بس انا بحبك ومستحيل ابعد عنك تاني
فدفعها يونس بعنف نحو الخارج وصاح فيها بنفاذ صبر... لا يطيق كلمة اخرى منها:
-امشي يا فيروز، إمشي من هنا دلوقتي حالا
تقهقرت فيروز للخلف بأنفاس مهدورة، ترمق ليال بنظرة سوداء لو كانت تقتل لأردتها قتيلة ثم اومأت برأسها ليونس وهي تغادر:
-ماشي يا يونس همشي بس مش هخسر بالسهولة دي
كان حامد يتابع ما يحدث، وعقله يخبره أن هناك شيء خاطئ لا يفهمه، استغل لحظة شروده الحارس الذي كان خلفه بخطوة فضربه من الخلف بعنف حتى سقط السلاح من يد حامد فرفع الاخر سلاحه بوجهه وهو يحذره بقوة:
-اقف مكانك اوعى تعمل اي حاجة حياتك هتروح فيها
تنفس حامد بصوت مسموع وهو يحدق بذلك الحارس، ثم إنتبه حينما نطق قاسم بصوت صلب رغم الوهن الذي أصابه به الزمن:
-طلعه برا يا حمدي، واطلع على المركز قول للمأمور إني عايز اعمله محضر وإنه بيتعدى عليا باستمرار وانا هاجي وراك
اومأ الرجل برأسه مؤكدًا وهو يشير لحامد بسلاحه نحو الخارج:
-اتحرك قدامي يلا
كز حامد على أسنانه بغيظ رهيب حتى أصدرت أسنانه صكيكًا عاليًا.... لن يتركهم... لن يتركهم ولو كان اخر يوم في حياته ولن يسمح له بأخذ ابنته الوحيدة منه....!!!
.....................................................
بمجرد خروج حامد مع الحارسان من المنزل، أمسكت ليال برقبتها تتنفس بصوت مسموع وكأنها ستختنق.... كلما تنفست قليلا يأتي لينفث بقسوته وجحوده وحقده الغريب في وجهها فيكتم أنفاسها مرة اخرى...
إنتبه لها يونس ولشحوب وجهها فاقترب منها محيطًا كتفاها بذراعه، متمتمًا بصوت منخفض حاني:
-تعالي معايا
فهمست ليال بوهن ترجوه:
-يونس لو سمحت سيبني لوحدي دلوقتي بالله عليك
فشدد يونس من ضغطة ذراعه حولها وكأنه يؤكد لها أنه لن يكون سوى داعم لها في تلك اللحظة:
-تعالي معايا يا ليال
لم تكن في وضع يسمح لها بمناورته فجذبها ببطء متجهًا بها نحو الخارج وهو يغمغم موجهًا حديثه لوالده:
-بعد اذنك يا حاج
فأومأ قاسم له برأسه دون رد، ليغادر يونس متوجهًا بـ ليال نحو حظيرة الخيل.... فك سراج الحصان ثم اشار برأسه قائلا بهدوء:
-يلا اركبي
فهزت ليال برأسها نافية وكادت تعترض ولكن نظرته المُصرة الحازمة جعلتها تبتلع رفضها في جوفها وتستند على الخيل محاولة الصعود دون أن تلجأ ليونس الذي ربما ينفر من لمستها كالعادة.... ولكن بغتة إرتعشت تلقائيا ما إن وجدته يخالف ظنونها و يحيطها من الخلف ممسكًا بخصرها بقوة ليرفعها حتى ساعدها في ركوب الخيل.... لم يفكر هو حتى مرتان حينما فعلها بل أسلم كافة زمامه لتلقائيته فقط...!
ركب هو خلفها في اللحظة التالية، ليصبح ملتصقا بها... يسير بالخيل ببطء وذراعاه قد تسربتـا حيث مكانهما عند خصرها... لتتهدج أنفاس ليال وهي تستشعر دفئ جسده خلفها.... وأنفاسه اللاهبة تضرب جانب وجهها فتغمض هي عيناها تلقائيًا منتعشة بذلك الشعور اللذيذ الحار الذي كان وقعه على قلبها المدمي كالبلسم....
بينما هو... بدا كطفل يستكشف شيئا جديدا، يستكشف تلك المشاعر في ثوبها المُعلن الجديد... يحسها بتمهل... يشعر بأول رجفة عاطفية عميقة تهز كيانه حينما إلتصقت به وكأن مشاعره الملتهبة تثبت وجودها في حضرة ذلك السطو من العاطفة...!
وصلا لمكان ما خالي من البشر، يشبه الصحراء نوعا ما، أوقف يونس الخيل مجبرا.. متمنيا لو طال الطريق أكثر فطال قربه منها... قربه منها الذي أكتشف أنه لم يعد ينفر منه.....
نزل هو ثم أنزلها ليحتضن كفها الصغير بين كفه الكبير الخشن مزيدا من دهشتها، ثم ساروا في ذلك المكان حتى وقفوا في نقطة منعزلة تماما... حينها نظر "يونس" نحو ليال وقال بصوت عميق:
-تقدري تعملي كل اللي انتي عايزاه، تصرخي تزعقي تعيطي... تقولي كل اللي نفسك فيه كأنك بتكلمي نفسك وتأكدي إن محدش سامعك ابدا، اعتبريني انا كمان مش موجود إلا لو انتي احتاجتيني
بقيت تحدق به بصمت لدقائق متعجبة... ولكنه كان كمن أعطاها الحرية لتطلق ما في جبعتها من خنقة أثقلت كاهلها....
فدون مقدمات أطلق سراح تلك الحشرجة المصحوبة بالبكاء لتصدر صرخة عالية متوجعة شاهقة ببكاء..... تصرخ وتصرخ وكأن ما بداخلها لا يخرج سوى على هيئة صراخ وبكاء....
ويونس لم ينطق ببنت شفه بل كان يراقبها بصمت وداخله يهتز بعنف مع كل صرخة منها وكأنه يأمره باحتوائها... باحتواء صرخاتها المتوجعة داخله هو....
سقطت ليال ارضا وهي تبكي مرددة بألم:
-ليه، ليه مش بيحبني انا تعبت، انا مش ذنبي إني بنتها عشان يكرهني
ثم نظرت ليونس لتتابع ببحة مكتومة لم تتلفظ بها سابقا:
-ليه هو مش بيحبني؟ كان نفسي يحبني اوي، كان نفسي يبطل يكرهني، كان نفسي يحسسني بالحنان اللي دايما بسمع عنه، وبقيت بحسدك عليه من ساعة ما دخلت حياتك وشوفت عمو قاسم، كان نفسي أعيش طفولة جميلة بريئة أفضل أحن ليها زي اي حد طبيعي، كان نفسي أحس إن ليا ضهر هتسند عليه، كان نفسي فـ أب اجري اشتكيله لما حد يضربني وانا طفلة، واجري عليه لما حد يوجعني وانا كبيرة
ثم رفعت أنظارها ليونس لتنحدر تلك الدمعة اللاهبة على وجنتها وهي تسأله بيأس مزق قلبه:
-هو انا وحشة يا يونس؟ أنتوا ليه كلكوا بتكرهوني؟ انا والله ما وحشة
جلس يونس أمامها مباشرة، ليحتضن بكفيه وجهها الذي إحمر من كثرة إنفعالها، فلم يشعر بنفسه سوى وهو يقترب بوجهه منها ليمحي دمعاتها بشفتاه ببطء وداخله يحترق... فهدأ بكائها ولكن شهقاتها لم تهدئ رغما عنها، ليبتعد يونس بعد لحظات محتضنا وجهها بكفيه ثم أردف بنبرة رجولية عميقة يقطر منها الحنان الذي أفتقدته دومًا:
-إنتي مش وحشة ابدا، إنتي جميلة اوي من جواكي ونقية رغم تصرفاتك الغلط، إنتي اكتر انسانه حنينة وبريئة و عنيدة في حبها شوفتها !
وقعت كلماته على قلبها الذي يئن وجعا لتضمده حرفا حرفا... فرفعت هي بُنيتاها اللامعة بالدموع لتتوسله بنظرتها وتطلب منه بكلماتها:
-يونس ممكن تحضني من غير ما أحس إنك مشمئز مني، ومن غير ما تحسسني إنك بتعمل كده كمجرد راجل قدامه ست!
-انا اسف...
تمتم بها يونس ولم ينتظر ثانية اخرى ما إن إنتهت من جملتها ليضمها له بقوة... فهو يحتاج ذلك قبلها... لتدفن هي وجهها عند رقبته ويود هو لو يدفنها بين ضلوعه...
كم من آآه متحشرجة علقت في جوفها وهي بين أحضانه... فضمت نفسها له اكثر وكأن داخلها يتشبع بذلك الدفئ بعد جوع طويل...
ظلا هكذا لدقائق حتى رفعت ليال رأسها، تغرق بين دفئ عينيه المتوهجة بعاطفة جديدة تغزوها علنا لأول مرة... ثم همست بصوت مبحوح متحشرج بالمشاعر:
-انا بحبك اوي يا يونس
هدر قلب يونس بعنف تلك اللحظة... وشعر أن كل ذرة به تهتاج وكأنها تود أن تجيبها... يود لو يخبرها أنه ايضا هُزم في معركة الحب وإنتصرت هي.... أنه ايضا... يُحبها.... اخيرا وبعد عذاب !!
فأحاط وجهها بين يداه متحسسًا كل إنش بوجهها بإصبعه ببطء... حتى هبط إصبعه لشفتاها المنفرجة من البكاء وكأنها تدعوه لتقبيلها، تزامنا مع همسه الخشن بحروف أسمها وكأنه يتذوقها بتمعن للمرة الاولى:
-ليال.....
ودون لحظة إنتظار اخرى، هبط يغطي ثغرها الوردي الرقيق بفمه الكبير لاثمًا إياه بعمق وشغف، وداخله ينتفض بتلك العاطفة التي جعلت حريق من نوع اخر ينشب بين ضلوعه....
آآهٍ من حلاوة ذلك الشعور الملتهب... دون تبرير للعقل... دون نفور من ذلك الاستسلام... دون نفور منها هي.....
وكم أدرك غباءه في تلك اللحظات حينما أضاع العديد والعديد من اللحظات والدقائق دون أن ينهل من رحيق شفتاها ما يروي عطشه، ذاك العطش والتوق الذي هاجمه منذ الدقيقة التي اعترف بها لنفسه أنه يحبها..... ولكنه عطش وشوق مُهلك وكأنه لم يرتوي منذ دهر.......
****
في المنزل....
دلفت "أيسل" للغرفة يتبعها بدر الذي كانت ملامحه متجهمه على ما حدث منذ قليل... لتقطع أيسل الصمت قائلة بصوت لم تخفى منه الشفقة:
-مضايقة على ليال اوي، إحساس وحش اوي إن الواحد يحس إن اقرب حد في الدنيا امه وابوه مش بيحبوه، حظها كمان إنها اتربت مع قسوته دي وشكلها شربت منها لحد ما إكتفت، وقهرها على والدتها الله يرحمه باين اوي!
اومأ بدر مؤكدا كلامها برأسه ثم تمتم زافرا بعمق:
-كمان يونس ماقصرش وزود عليها، ربنا يهديه عليها مش هيلاقي زيها تاني بسهولة
اومأت أيسل مؤكدة برأسها، فقال بدر وهو ينهض ليُخرج ملابسه من حقيبته:
-انا هدخل اخد دوش
حينها إنتبهت أيسل انها ودون شعور قطعت ذلك الخصام المصطنع الذي كانت تتمسك به منذ أن وصلوا ذلك المنزل.... فأشاحت بوجهها عنه دون ترد... يجب أن تؤدبه أولا ثم للحديث بقية..!
فتأفف بدر وتابع متذمرا :
-هتفضلي في شغل خصام العيال ده كتير يعني؟
وايضا لم تجيبه، فسحب ملابسه وتوجه للمرحاض بغيظ جعل ايسل تبتسم بشر وهي تهمس لنفسه حتى لا يسمعها:
-أنت لسه شوفت حاجة، عشان تحرم ما تكذب عليا تاني يا بتاع مريم!
بعد فترة كانت أيسل قد بدلت ملابسها وجلست على الفراش تقلب في هاتفها بعشوائية...
حتى سمعت صوت بدر يأتي من المرحاض متألما متأوها وهو يناديها:
-أيسل، أيسل تعالي ساعديني بسرعة رجلي نملت مش قادر أقوم امشي
ركضت أيسل دون أن تفكر مرتان لتفتح باب المرحاض فوجدته جالس ارضا وقد ارتدى "البُرنس" فانحت لمستواه تسأله بنبرة قلقة وقد إحتضنت خصلاتها الحمراء وجهها الأبيض:
-إيه اللي حصل؟ رجلك نملت فجأة كده؟
فأومأ بدر مؤكدا وقد إلتوت ملامحه بالألم، لتقترب أيسل منه أكثر وتضع ذراعه على كتفها تعاونه على القيام....
وبالفعل نهض بدر ولكن بمجرد أن نهض حتى دفع أيسل برفق نحو الحائط حتى إلتصقت بالحائط، لتظهر ملامحه الماكرة الحقيقة وقد رمى عنه قناع الألم، ليقترب منها اكثر حتى اصبح شبه ملتصق بها ثم همس بعبث امام وجهها:
-برضو خليتك تكلميني وجبتك لحد هنا كمان، وممكن أعمل فيكي اي حاجة
ثم اقترب بوجهه من وجهها أكثر متحسسًا بأنفه بشرة وجهها الناعمة جدًا... وأكمل بنفس الهمس العابث:
-اي حاجة اي حاجة
لتتسع عيناها وهي تصيح فيه بغضب:
-أنت بتضحك عليا يا بدر؟ انا غلطانه اني عبرتك اصلا
فهز بدر رأسه ببساطة:
-ما انتي مش معبراني فعلاً، فكان لازم أتصرف
ابتلعت أيسل ريقها بتوتر وقد وجد ضالته من تأثيره عليها وربكتها الواضحة، فحاولت هي دفعه عنها بغضب مصطنع:
-طب اوعى يا بدر سيبني
ليهز بدر رأسه نافيا ثم استطرد مستنكرًا:
-انتي هبلة! اسيبك إيه ده انا ما صدقت قفشتك، انتي مش هتطلعي من هنا الا اما تصالحيني وتدفعي عربون للصلح كمان !
فسألته ساخرة:
-عربون إيه إن شاء الله ؟
فأخبرها بدر بابتسامة واسعة ماكرة وبنبرة صبيانية مشاكسة:
-تيجي تستحمي معايا... يوووه قصدي تحميني اصل رجلي لسه منمله!
إتسعت حدقتاها بخجل من وقاحته لتتضرج وجنتاها بحمرة الخجل القانية وهي تحدق به، فمد بدر يده وبحركة مباغتة فتح "الدش" لتسقط المياه بقوة فوق أيسل التي شهقت بعنف وهي تبعد رأسها عن المياه متمتمة بنبرة شبه باكية كالأطفال:
-منك لله لسه مغيره هدومي
فتلاعب بدر بحاجباه قاصدا استفزازها وهو يقول ببراءة:
-بساعدك عشان تدفعي العربون يا حبيبتي
ثم اقترب منها اكثر.. رفع يده ليبعد ببطء خصلاتها الحمراء المُبللة التي إلتصقت بجانب وجهها، لتُبطئ حركة إصبعه على بشرتها الناعمة وهو يهمس بصوت أجش:
-وحشتيني اوي يا جنيتي
فأبعدت هي يده بسرعة مغمغمة بحدة:
-وأنت ماوحشتنيش يا كداب يا بتاع مريم! اوعى تفكرني ناسيه إنك كذبت عليا برضو
فاقترب بدر اكثر حتى إلتصق بها تماما، ليلحظ قطرة المياه التي هبطت من خصلاتها النارية وببطء شديد لتمر على كافة قسمات وجهها ثم وجنتاها المكتنزة ثم شفتاها..... وااهٍ من شفتاها التي غزت أحلامه لتذيقه مرارة الشوق وتحرمه نعيم النوم...!
ظل يراقب تلك القطرة وهي تهبط لمقدمة صدرها لتتخفى اسفل ملابسها التي إلتصقت بها وعيناه تزداد توهجًا وإشتعالا، فاقترب بدر دافنا وجهه عند رقبتها... ليلثم رقبتها بعمق جعل قشعريرة عنيفة تهز كلها..
ثم همسه الخشن مكررا:
-وحشتيني اوي اوي يا جنيتي
فحاولت أيسل إبعاده وهي تنطق بصوت خرج بصعوبة:
-بدر لو سمحت ابعد
فأجابها هو بنبرة متهدجة من تضخم تلك العاطفة داخله:
-بدر تعب من البُعد، ماتحرميهوش منك، و من قربك اكتر يا بنت السلطان!
أغمضت عيناها وهي تشعر أنها تذوب به حرفيا، لاعنة ضعفها السريع امامه وأمام مشاعرها البلهاء...
اقترب بدر بشفتاه الملتاعة من شفتاها المترقبة، وكاد يسرق منها القبلة عله يُصبر بها خلاياه التي تهدر مطالبة بها مستغلا لحظة التيه التي تعتريها.... ولكن فجأه وجدها تضربه بقدمها بقوة ليرتد للخلف تلقائيا متأوها بألم فركضت هي من أمامه وهي تصيح متشفية فيه:
-قال اصالحك قال.. ده لما تشوف حلمة ودنك، ويارب يكون العربون ده عجبك يا قليل الادب يا وقح !
ثم خرجت بسرعة لتسمع ضحكاته الرجولية التي صدحت مجلجلة لتبتسم هي تلقائيا على ضحكاته التي داعبت أطراف قلبها.......
ثم إنتبهت لهاتفها الذي يرن فأجابت بهدوء:
-الووو
ليأتيها صوت والدها البغيض يخبرها:
-أيسل، تعالي إلحقي أمك يا أيسل
فسألته أيسل ببرود ظاهري:
-مالها !!
-كنا على سطح ورجليها إتشنكلت في حديد ووقعت من على السطح و.....
فسألته أيسل بقلب نابض بالقلق:
-وإيه؟
-وشكلها هتموت ومابترددش غير اسمك! تعالي شوفيها يمكن تكون اخر مرة يا أيسل!!!
ابتلعت أيسل ريقها بتوتر.... رغم كرهها الذي تربع داخلها لهم، ولكنها والدتها مهما حدث، لذا سألته مفكره:
-إنتوا فين؟
فأجابها:
-في ***** في عياده هناك احنا فيها مؤقتا
-طيب
ثم أغلقت الهاتف وهي تنهض مفكره.... بينما على الطرف الاخر إلتوت ملامح زوبه بقلق وهي تخبر طه ولأول مرة:
-انا خايفة يا طه، دي بنتنا برضو والله اعلم اللي اسمها مريم دي بتكرهها ليه وناوية على إيه!
فدفعها طه من امامه مرددا بغيظ:
-يا شيخه اتلهي انتي لسه فاكره انها بنتنا !!
****
بعد يومان.....
مساءا...
هبطت ليال من غرفتهما باحثة عن يونس الذي نادته نسمه فجأة، لتتجمد عيناها وهي تراه واقفا مع تلك اللعينة "فيروز" وقد كانت فيروز ممسكة بيده وتتحدث بينما هو ينظر لها بصمت دون أن يصدر اي رد فعل....
فاقتربت ليال منهم بسرعة تصيح بها بشراسة:
-ابعدي ايدك عنه
لتزجرها فيروز بغيظ وحقد:
-وانتي مالك اصلا، انتي نسيتي نفسك؟ انا حبيبته وخطيبته وقريب مراته وانتي عالة دخلت حياتنا فجأه بس
فغمغم يونس محذرا لا يود جرحها اكثر، ربما هي ليست كفيلة بحبه ولكنها ايضا بالنسبة لها ليال هي الدخيلة التي دمرت حياتها:
-فيروز !!
فقالت ليال بحدة وهي تمسك بذراع يونس:
-خليكي واقعية شوية، يونس دلوقتي جوزي وبعدين آآ.....
فقاطعها يونس بصوت هادئ صلب:
-إطلعي فوق يا ليال
فكادت ليال تعترض ولكنه كرر بنبرة اكثر تحذيرا:
-اطلعي فوق يا ليال
فاستدارت ليال لتصعد والشياطين تتقافز امامها بينما فيروز تبتسم بانتصار....
.............................................
صباحا....
خرج يونس من الغرفة باحثا عن ليال التي لم تكن موجودة بالغرفة، ليقابل أيسل وبدر فسألهم بعد أن ألقى تحية الصباح:
-ماشوفتوش ليال؟
ليهز كلاهما رأسهما نافيان في هدوء:
-لا خالص
لينزل يونس بسرعة ونبضاته قد تسارعت في سباق مع الزمن وذلك القلق ينتشر كالوباء داخله كلما بحث عنها ولم يجدها.....
بحث عنها في كل المنزل وفي ارجاءه وايضا لم يجدها، حينها ركض عائدا للغرفة يدعو الله ألا يحدث ما يفكر به....
وصل الغرفة فركض نحو الدولاب ليفتحه بسرعة فضربه في مقتل مشهد الدولاب وهو فارغ من ملابسها....... ليعم السكون وتنطلق رصاصة الحقيقة..... لقد رحلت ليال !!!!!
احتيال وغرام
الفصل الرابـع عشر :-
-انتي فين... انتي فين.. رحتي فين يا حبيبتي!!
كان يونس يغمغم بها وهو جالس ارضًا امام ذلك الدولاب... يشعر أن الوعي قد هجر عقله شيئًا فشيء... حتى لم يعد يُدرك أي شيء سوى تلك الأربع حروف.... رحلت.... كلما أعاد تلك الكلمة شعر أن كل حرف منها يسقط عليه ليجلده بقسوة.... وكأن حتى الكلمة أقسمت أن تُعذبه وتُنذره بمرارتها.... فالراء راحة لن يراها في غيابها.. والحاء حياه أحكمت هي خيوطها وقوامها وحينما ذهبت إنسابت تلك الخيوط لتنهار الحياه... واللام لهب الفراق الذي إشتعل بين جوانب صدره ليكويه ببطء وقسوة... والتاء تووووق رهيييب رافق كل نبضة تصدر عنه ليُثقلها بعبئه ومرارته...!
كيف ترحل... ولمَ؟!... أوترحل بعدما نفض غبار الكره عن قلبه وأودعها إياه..؟!
نهض اخيرًا يهز رأسه نافيًا وكأنه استوعب للتو، فبدأ يردد بهذيان مرير:
-لأ، مستحيل ليال تعملها.. مستحيل تقرر تبعد عني فجأة بعد ما حبيتها مستحيل
ثم اومأ مؤكدًا لنفسه:
-اكيد في حاجة اكيد
اقترب من الدولاب يفتش بكل ركن به رافضًا التصديق، تثاقلت أنفاسه حينما لم يجد اي شيء متبقي له من رائحتها...
-ليااال...
همسها متأوهًا في أعماقه والألم لا يُحتمل.. فمد يده دون وعي يتلمس بأصابع مرتعشة رف الدولاب الذي كان يحمل ملابسها والذي لمسته هي قبلاً.... يتلمسه محاولاً معاودة الشعور بملمس أصابعها الذي أكتشف أنه كنعيم الجنة الذي حُرم منه مبكرًا... مبكرًا جدًا......
إبتلع ريقه ببطء وصعوبة شديدة وكأنه يحاول أن يتنفس... ثم قال مقنعًا نفسه التي بدأت تنهار بضرورة الصمود:
-لأ، اكيد هلاقيها، مستحيل تكون سابتني لأ هلاقيها
ثم استدار بسرعة راكضًا يغادر الغرفة ثم المنزل بأكمله دون أن ينطق بأي شيء لأي شخص، وكأن الشياطين تلاحقه... شياطين الفراق....!!!!!
****
كان "بدر" ساحبًا "أيسل" خلفه متوجهًا لمنزله ومنزل اهله في الماضي والذي يجاور منزل والد يونس قليلا، بمجرد أن رحل يونس من أمامهم مكملاً بحثه عن ليال دون أن ينطق او يخبر اي شيء بأي شيء، حتى استأذن "قاسم" وأخذ أيسل متوجهًا بها نحو ذلك المنزل ليُريها إياه ثم يعودا مبكرًا قبل غروب الشمس....
ولم ينشغل بالهم بسؤال يونس الذي بدا لهم طبيعي نوعا ما..
بينما لاتزال أيسل متمزقة الأفكار... فكرة تنوح بالألم مُلحة عليها بالذهاب لترى والدتها... والاخرى صلبة كالسيف تُمزق الاولى بمنطق العقل الذي ينفي احتمالية ذهابها...!
لا تدري أتخبر بدر ام ربما يمنعها من قلقه الطبيعي عليها وتخسر فرصتها الأخيرة في رؤية والدتها..؟!
إنتبهت لبدر حينما توقف ليخرج مفتاح ما من الحقيبة الصغيرة التي جلبها معه، حينها بدت أيسل وكأنها انتبهت للتو فقالت مستنكرة:
-أنت جايب هدوم ليه هو أنت ناوي نطول هنا ولا إيه؟ انا مجبتش اي هدوم!!
فابتسم بدر مرددًا بمكر لم تلحظه أيسل بسبب غمامة التفكير التي حطت على عيناها:
-لا متقلقيش يا حبيبتي منا عملت حسابي وجبتلك انتي كمان!
فرفعت أيسل حاجبها الأيسل تسأله:
-جبلتي ازاي هو أنت تعرف هدومي اصلاً؟
فرفع بدر كتفاه بثقة شابها الغرور المصطنع:
-عيب عليكي هو انا اي حد، ثم ده مش محتاج ذكاء اكيد فيا عين بتشوف الطقم الكامل وبطلعه!
اومأت أيسل دون أن ترد ليدخل بدر اولاً ثم اضاء اللمبة التي وجدها لاتزال تعمل لحسن حظهما، دلفت أيسل ببطء تتفحص المكان حولها بتركيز مستمتعة بتدقيق النظر لطرازه القديم... لتجده كبير المساحة.. ليس مهجور تماما فيبدو أن هناك من كان يأتي كل فترة ليتفحصه....
بينما بدر كانت عيناه تدور في ذلك البيت..وعقله يتنفس تلك الذكريات الجميلة التي عاشها بين جدران ذلك البيت....
أمسك بدر بالحقيبة وتوجه نحو احدى الغرف ليشير لأيسل مرددًا بهدوء:
-يلا انا هدخل اغير هدوم الخروج عشان التراب
وبعد فترة إنتهى من تبديل ملابسه لـ "شورت" وتيشرت نصف كم رياضي، فأخذت أيسل الحقيبة تخرج الملابس منها، لتجد أنه جلب فقط رداء طويل يصل لما قبل الركبة بقليل ولكن دون أن يأتي بالبنطال التابع له...!!!
فإتسعت عيناها وهي تسأله متوجسة:
-أنت ماجبتش البنطلون بتاع الفست؟ وتقولي مش محتاجة ذكاء وانا عارف!!
فضرب بدر جبهته يصطنع النسيان، ثم هتف متفاجئًا بمكر:
-بجد! بتهزري ازاي مجبتوش انا فكرت إني حطيته!!
-هعمل إيه انا دلوقتي! شكلها مفيهاش غدا هنا ولا أي حاجة من اللي قولتها
قالتها أيسل متأففة بضيق وقد عقدت ما بين حاجبيها والغضب يلمع بين حدقتاها...
ليقول بدر ببساطة أغاظتها:
-محلوله يا حبيبتي، الفست طويل إلبسيه ومش مهم البنطلون يعني مش ازمة!
فهزت أيسل رأسها نافية بسرعة تزجره:
-مش مهم ازاي يعني يا قليل الادب، لا طبعا مش هينفع
فلوى بدر شفتاه ساخرًا بحنق مُبطن:
-ما انتي كنتي بتلبسي حاجات ضيقة واحيانًا عريانة قدام كل الناس، ولا هي جت على قرمط؟!
فلوت أيسل شفتاها بانزعاج، بمجرد تخيلها أن تخرج أمامه ونصفها السفلي عاري لتتفحصها عيناه الوقحة ككله، تشعر بلسعة حارة بين نبضاتها تُضطرب كيانها كله...!
هزت رأسها نافية وكادت تعترض ولكن بدر دفعها برفق نحو الغرفة واستطرد بضيق مصطنع:
-يلا بقا يا أيسل متبوظيش اليوم لسه هننضف الدنيا وبعدين نشوي الدُرا ونتغدا واحنا بنتفرج على الغروب، انا مجهز يوم تحفه متبوظيهوش بقا وحياة امك
فابتلعت أيسل ريقها موافقة برأسها على مضض، ثم سحبت اقدامها سحبًا نحو تلك الغرفة لتبدل ملابسها وبدر يتابعها بعينان ماكرتان والابتسامة الواسعة العابثة تتراقص على أطراف ثغره....
إنتهت أيسل وخرجت من تلك الغرفة وأصابعها تقبض بعنف على ذلك الرداء الذي وصل ما قبل ركبتاها، وكانت قد فردت خصلاتها الحمراء النارية على ظهرها....
لا تدري ما كل هذا الاضطراب الذي يتملكها، فهي لطالما كانت ترتدي الملابس الضيقة.... ولكنها ابدا لم ترتدي القصير امام اي شخص، وليس اي شخص.... بل شخص ترى الشوق يُلهب سوداوتاه ليحرقه فيكتم هو آهات الشوق واللوعة هو بشق الأنفس....!
وما إن رآها بدر حتى أطلق صافرة وهو يهز رأسه مشاكسًا إياها بعبث صبياني:
-نهارنا أبيض نهارنا فل إن شاء الله يا جنيتي
فرفعت أيسل إصبعها في وجهه تحذره بصلابة واهية حكتها عيناها الزائغة بربكة فضحتها:
-بدر لو مبطلتش حركاتك دي واحترمت نفسك صدقني هدخل اغير وهمشي! انا بقولك اهوه
فرفع بدر يداه كعلامة على الاستسلام ثم أردف ببراءة تناقض العبث الذي استوطن عيناه:
-انا عملت حاجة؟!!! انا هقعد ساكت بأدب اهوه
ثم خفض نبرته حينما استدارت هي وأعطته ظهرها ليكمل وهو يتلاعب بحاجباه بعبث:
-او قلة ادب ايهما اقرب!
ثم نهض وسار خلفها ليبدأ مهمة تنظيف المنزل، وبالطبع لم تخلو تلك المهمة من تذمر أيسل الطفولي كل حينٍ ومين، ومن مشاكسة بدر الصبيانية التي يخفي بها وحوش الشوق المهتاجة داخله وكأنها تود هدم ذاك الجدار الواهي بالثبات....!
بعد قليل... وقفت أيسل تهز رأسها نافية بإصرار:
-لأ انا مش همسح مستحيل
فهز بدر رأسه بعدم رضا ودهشة رسمها بمهارة:
-يعني تبقى مراتي الغالية ست البيت معايا وانا اللي أمسح؟! عيب والله عيب.. ده انا لو جبت عيله في ستة ابتدائي هتعرف تمسح
فتأففت أيسل بضيق ثم لمعت عيناها بوهج التحدي الذي يرفض تمرير أي خسارة كانت عليه وقالت:
-ماشي يا بدر على فكره انا بعرف بس انا مكنتش حابه أبهدل نفسي!
-اه منا عارف
تمتم بها بدر بسخرية خفيضة، لتحتد نبرة أيسل بغيظ:
-انا بتكلم جد على فكره
فأومأ بدر برأسه بسرعة مشاكسًا اياها:
-طبعا طبعا امال!
استدارت أيسل لتجلب الطبق وقطعة القماش التي ستبدأ بها مهمتها الشاقة... الشاقة جدًا بالنسبة لها..
وبالفعل أحضرتهم ثم بدأت تمسح محاولة ألا تتكئ كثيرًا حتى لا تظهر اقدامها البيضاء الناعمة أمام اعين ذلك المتربص الوقح....
وبعد قليل حينما إندمجت فيما تفعله، أشار لها بدر نحو ركن ما قائلاً بجدية تامة يتوارى خلفها العبث:
-في حتة هناك اهيه يا جنيتي نسيتي تمسحيها
فتحركت أيسل بتلقائية لتمسحها متناسية تمامًا ذلك الرداء الذي ارتفع اكثر فأكثر مسببًا داخل بدر إنفجار عنيف من العاطفة وكأنه دوي قنبلة جبارة مُهلكة في أعتى الحروب....
فابتلع ريقه وهو يتحسس جبهته مغمضًا عيناه هامسًا بنبرة ملتاعة:
-يا صبر ايووووب
ثم إنتبه لأيسل وهي تسأله بنبرة بديهية عادية جدًا غافلة عما يعانيه ذلك البدر:
-بدر بقولك إيه عايزين حبل عشان نربط الباب ده عشان كل شوية يتحرك وحاسه إنه ممكن يقع في أي لحظة
اومأ بدر برأسه ثم تنحنح ليتجلى صوته فخرج مبحوحًا وهو يخبرها:
-هناك في الاوضة دي انا شوفت حبل تقريبًا
فنهضت أيسل متوجهة لتلك الغرفة التي كانت مغلقة ولم ينظفوها..
وقفت أيسل تبحث بين الادراج عن ذلك الحبل لتشهق متفاجئة حينما وجدت بدر فجأة يُحيط بها من الخلف وذراعاه قد امتدت لتحاوطها بينما تشعر بأنفاسه الساخنة عند رقبتها مباشرةً، فبدأ ذلك الخدر اللذيذ ينتشر مسيطرًا على كافة خلاياها، فحاولت إبعادها وهي تهمس بنبرة ملتعثمة:
-بدر أنت بتعمل إيه آآ اوعي لو سمحت
كان بدر مُقربًا أنفه عند خصلاتها الحمراء يتنفس بعمق ساحبًا عبقها المُهلك الذي يُسكره ليملأ به رئتيه، ثم إنتبه لمحاولاتها للتملص من بين ذراعاه فرفع ذراعه وهو يخبرها بصوت أجش:
-بجيبلك الحبل يا جنيتي اهدي
فاستكانت أيسل وخمدت حركتها إلا من تلك الرعشة العاطفية التلقائية التي لم تغادرها في قربه....
وبالفعل أخرج بدر الحبل ثم ابتعد سنتيمتر واحد لتلتف أيسل وما إن استدارت حتى قالت بنبرة حاولت جعلها ثابتة:
-ممكن بقا تبعد عشان اروح اكمل
ثم كادت تسير متخطية إياه ولكنه جذبها من خصرها ليُلصقها به وهو خلفها، وكاد ينطق لولا أن قاطعه صوتها الهلوع وهي تخبره مشيرة بإصبعها نحو ارضية تلك الغرفة:
-إلحق إلحق بسرعة يا بدر عقرب والله عقرب اهوه يا نهار اسود
فنظر بدر بسرعة ليجد عقرب فعلا ولكنه كان يسير بعيدًا عنهم، فنظر بدر حوله ليجد حجر كبير ثقيل يمكن قتله به ولكنه قرر التلاعب واستغلال تلك الجنية التي تأبى أن ترحمه...
فأشار لها بإصبعه على فمه هامسًا بصوت خفيض جدًا قرب اذنها:
-هششش متطلعيش صوت ومتتحركيش
فامتثلت أيسل لأوامره كالطفلة تمامًا وداخله ينتفض ذعرًا من رؤية ذلك العقرب، ليستغل بدر الفرصة ويقترب اكثر من رقبتها يتشممها بأنفه... وآآه من رائحتها تلك التي يعشقها حد الادمان... فزاد توتر أيسل التي همست بصوت يكاد يُسمع وكأنها على حافة البكاء:
-بدرررر أنت بتعمل إيه ما تروح تقتله
فزجرها بدر بضيق وحدة مصطنعة:
-الله.. وتريني.. وتريني اكتر وخليني مش مركز كده خليه يستخبى ومنعرفش نقتله ويطلعلنا فجأة تاني يموتنا ونخلص!
فصمتت أيسل على مضض عاقدة ما بين حاجباها بتذمر كالأطفال تكاد تبكي..
فقرر بدر أن يترفق بها وبخوفها وبحركة مباغتة كان يلثم عنقها بعمق مرسلاً لها تلك الرجفة العنيفة التي تهز كيانها كله، ثم ابتعد قبل أن يعطيها فرصة النطق وأخذ الحجر وبدأ يقترب من ذلك العقرب بحذر حتى قتله بالحجر الكبير فجأة... حينها بدأت أيسل تتنفس بارتياح...
فسحبها بدر من ذراعها للخارج كالأطفال بعدما تخلص من ذلك العقرب، ليُحاصرها عن الحائط وهو يتشدق رافعًا حاجبه بمكر:
-فين مكافأتي؟
فلوت أيسل شفتاها مستنكرة:
-مكافأتك!؟ مكافأة إيه دي إن شاء الله هو أنت حررت فلسطين؟
ليهز بدر رأسه راسمًا على وجهه الجدية وهو يسألها:
-عقرب ده ولا مش عقرب؟
فأكدت دون تردد:
-عقرب
ليعاود سؤالها:
-بيموت ولا بيموت يا متعلمة يا بتاعت المدارس؟
فأجابت ايضا مؤكدة:
-بيموت
فسألها:
-قتلته ولا ماقتلتوش وشوفتيني بعنيكي الحلوه اللي هياكلها الدود دي؟
فأجابت على مضض:
-قتلته
فصفق بدر بابتسامة واسعة مرددًا بزهو:
-يبقى استاهل مكافأة، يلا وبسرعة عشان في ضريبة للتأخير على فكره!
فهزت أيسل رأسها مانعة ابتسامتها من الظهور بصعوبة... متمسكة بأذيال قناع الغضب والترفع الذي كان تقريبا سقط عنها تماما اليوم في قربه..
فقال بدر بمكر يهاودها كطفلة صغيرة:
-طب انا هسهلهالك وهاخد مكافأتي بنفسي
فسألته أيسل بعدم فهم:
-ازاي؟
ليرد بدر ببراءة ظاهرية:
-هغمض عيني وبأمانة، وانتي هتبقي قدامي وهبوسك في أول حتة اقرب منها من غير ما اشوف
رفعت أيسل حاجبها بغيظ من مكره وعبثه الذي لا ينتهي، وكادت ترفض ولكنها قررت التلاعب به قليلاً كما يفعل فأومأت برأسها موافقة بضيق مصطنع:
-ماشي بس لو فتحت عينك مش هيبقى في اي مكافأة ولا اي نيله!
اومأ بدر مؤكدًا وبالفعل أغمض عيناه، ليسألها:
-تمام كده؟
فأكدت أيسل بابتسامة واسعة:
-ايوه، بس لو قربت على الهوا يبقى خلاص راحت عليك، وقدامك ٣ مرات بس
اومأ بدر برأسه موافقًا وداخله يتيقن أن جنيته قررت أن تلاعبه قليلاً فوأد ابتسامته قبل أن تظهر... ثم اقترب فجأة من مكان وجهها ولكنها حركت وجهها بسرعة فجاءت قبلته على الهواء... لتتابع أيسل باستمتاع:
-آدي اول واحدة راحت
فتنفس بدر يدعو حظه أن يحالفه ثم اقترب فجأة مرة اخرى ولكن أيسل ايضا قتلت أمله حينما حركت رأسها فجأة لتبقى قبلته معلقة في الهواء.... وفي الثالثة ايضًا تكرر نفس الشيء ليتزاحم الغضب داخل بدر الذي فتح عيناه ثم أمسك وجهها بين يداه مثبتًا إياه ليقترب بفمه منها فصاحت أيسل بذهول وصوت مكتوم:
-بدر أنت هتعمل إيه آآ......
وضاعت حروفها بين شفتاه التي شنت هجومًا عاطفيًا عنيفًا على شفتاها المكتنزة التي أرقت منامه، كان يُقبلها بشغف حار وداخله يرتعش حرفيًا من حلاوة ذلك الشعور المُهلك بينما هي متخبطة وقد عاثت قبلته الفوضى داخل كل شبر فيها....
ابتعد بعد قليل سامحًا لها لتلتقط أنفاسها ويشاركه هو انفاسه اللاهثة، ولكن لم يعطها الفرصة فدفعها برفق بجسده نحو الفراش ليدفعها برفق فسقطت هي شاهقة تحاول منعه بتذمر وتوتر رهيب فرض سيطرته على فرائصها:
-بدر لأ مينفعش أوعى
ولكنه لن يتراجع.... ليس بعد أن قامت تلك الوحوش التي تطالب بها بهدم سور ثباته الواهن.... ليس بعد أن احترقت كل ذرة به تهدر مطالبة بها... بامتلاكها.....!
فمال نحوها بأنفاس حادة ليمد إصبعه يبعد خصلاتها عن وجهها ببطء شديد، لتشعر أيسل بازدياد تلك الفراشات التي تداعب داخلها... فابتلعت ريقها وهي تهمس محاولة إيقافه:
-بدر لو سمحت لأ.. طب استنى عايزه اقولك حاجة مهمة
فوضع بدر إصبعه على شفتاها التي اتضح عليها اثر هجومه العاطفي العنيف عليها، ثم قال بصوت أجش من فرط العاطفة:
-هششش، كله كلام كلام... دول ماتخلقوش للكلام بس، في حاجات أحلى ومعناها أعمق بكتير من الكلام
ولم يعطها الفرصة لنطق المزيد بل عاد يلتقط شفتاها بشفتاه ببطء ورقة.... حتى ذابت شفتاها بين شفتاه وقد حرص هو أن يُذيب مقاومته الواهية، فما إن شعر بيداها تحيط عنقه دون أن تشعر حتى ازداد اهتياج مشاعره، فابتعد لحظة بأنفاس لاهثة يغمغم بهمجية عاطفية:
-قولي إنك بتحبيني
فلم تنتظر حروفها الاذن لتنساب من بين شفتاها بما نطق به قلبها قبل شفتاها:
-بحبك.. بحبك اوي وماحبتش ولا هحب راجل في الدنيا دي غيرك
فأغمض بدر عيناه مستمتعًا بمذاق تلك الكلمة التي انتظرها كثيرًا.... ليميل على وجهها موزعًا قبلاته على كل إنش به وهو يهدر من بين قبلاته:
-قوليها تاني
فعادت تكرر بصوت مبحوح:
-بحبك.. بحبك بجنون يا بدر
فهمس هو بخشونة متأوهًا من أعماقه بلوعة:
-آآه منك ومن حبك يا بنت السلطان!
ولم يعد للحديث بقية.... غرقـا معًا بين أمواج العاطفة التي تقازفتهم من هنا لهناك والشوق يصاحبهما، فأصبحا روح واحدة في جسدان... تجمعهما مشاعر وعواطف فياضة لا تنتهي......
****
خرجت "فيروز" من غرفتها وخلفها والدتها التي عقدت ما بين حاجبيها بضيق تهدر فيها بضيق واضح:
-يا فيروز خدي هنا مش بكلمك
فاستدارت فيروز لتواجهها بجسدها متساءلة بحدة:
-نعم؟ عاوزه إيه تاني من فيروز؟
لتسألها "نشوى" بتعجب من هجومها المفاجئ وابتعادها الدائم طوال اليومان السابقان عنها:
-في إيه يا فيروز مالك؟ وبتبعدي عني ليه طول اليومين اللي فاتوا؟ في حاجة حصلت؟
فاض الكيل بـ فيروز فقررت أن تلقي بكل ما بجبعتها في وجهها باهتياج إتضح في نبرتها العالية:
-لأ مفيش ابدًا، انا بس عرفت إن الست اللي مفروض امي هي اللي خططت عشان تبعدني عن الشخص الوحيد اللي قررت أتجوزه
بهتت ملامح "نشوى" التي توقعت أي شيء إلا أن تعلم فيروز، فالتوت شفتاها وهي تحاول ايجاد اجابة مناسبة، واخيرًا هتفت بحروف مبعثرة تسألها:
-مين اللي قالك الكلام ده يا فيروز؟
لترسم فيروز ابتسامة ساخرة مقيتة على شفتاها وأجابت:
-للأسف محدش قالي ده انا اللي سمعتك بنفسي وإنتي بتتكلمي في التليفون
إبتلعت نشوى ريقها بتوتر رهيب... ثم قالت تستجدي عطفها فأكثر شيء يوترها أن تخسر ابنتها الوحيدة:
-فيروز صدقيني انا عملت كده عشانك، عشان يونس مش شبهك وانتي مش شبهه، صدقيني حياتك كانت هتبقى معاه جحيم
فصرخت فيها فيروز بأعصاب مستنفرة:
-الجحيم اللي بجد اللي انتي عملتيه فيا، دي حياتي انا.. انا اللي هعيشها مش انتي، انا ادرى باللي هيريحني ويتعبني
فهزت الاخرى رأسها نافية بسرعة:
-صدقيني انتي اعجابك الشديد ليه عاميكي عن الحقيقة
لتضرب فيروز صدرها ناحية قلبها، وتزمجر بجنون وكأنها تخبر نفسها اولاً:
-ده مش مجرد اعجاب، انا بحب يونس، بحبه جدا وانتي حرمتيني من الشخص الوحيد اللي حبيته
لتهز نشوى رأسها نافية، فهي تحفظ ابنتها كخطوط يدها... ولم ترى يومًا شعلة العشق تستقر بين ثنايا عيناها ابدًا....
لذا تابعت بصوت هادئ رغم اضطرابه التلقائي لتحبرها:
-لأ يا فيروز مش حب، ده وهم انتي اقنعتي نفسك بيه، لو بتحبيه بجد كان قلبك هيوجعك بعد اللي حصل، لكن انا شوفت واحدة كرامتها هي اللي وجعاها ومش شايفة غير كرامتها اللي اتداست بس، لو بتحبيه كنتي هتحاولي تخلقي اي عذر ليه وهتصدقيه حتى لو كل الدنيا مكذباه، لكن انتي كرامتك ماسمحتلكيش إنك تحاولي تصدقيه ولو شوية! ده مش حب يا فيروز، انتي يمكن شوفتيه الشخص المناسب ليكي بس.. جنتل مان زي ما بقوله لكن للاسف اختيارك مش صح
هزت فيروز رأسها نافية وكأنها تناطح كل حرف خرج من والدتها لتمنعه من التسرب لنقطة الاقناع داخل عقلها....
ثم بدأت تردد بصوت أجش حانق:
-لأ مش صحيح، انا كنت موجوعة من الاتنين كرامتي وقلبي، ثم إن انتي مش هتعرفي احساسي اكتر مني
ثم تعلقت اشباه الابتسامة الساخرة بفمها وهي تكمل:
-يا مامي
وكادت ترحل ولكن نشوى أمسكت ذراعها تستوقفها بصوت عذب هامسة:
-خلاص يا فيروز حقك عليا، انا امك برضو يا فيروز مهما حصل
لتتشدق فيروز في تهكم مرير:
-دلوقتي لاحظتي انك امي؟ كانت فين الامومة دي وانتي بتعملي اللي عملتيه؟!
لتزفر نشوى بعمق قبل أن تسأله وتخيل الاجابة يفزع دواخلها:
-طب انتي عايزه إيه يرضيكي يا فيروز؟
كادت فيروز تنفي رضاؤوها بأي شيء، ولكن نظراتها تركزت قليلا وكأنها وجدت النقطة التي ستستغلها في خطتها الشيطانية لاسترجاع يونس... فتنحنحت وهي تسألها مفكره:
-في حاجة هتريحني وهي إني ارجع يونس ليا
فضيقت والدتها عيناها وهي تستفسر:
-هو رفض يسمعك لما حاولتي تتكلمي معاه؟
لترتعش شفتا فيروز بقهر وذلك الشعور المقيت بالرفض يمرر حلقها، ولكنها قررت بصقه والثأر لكرامتها المهدورة على يد تلك اللعينة ليال...
فابتلعت تلك الغصة في حلقها وهي تقول:
-رفض يسمعني وقالي بطريقة غير مباشرة عشان ميجرحش مشاعري إن انا وهو خلاص اللي بينا انتهى وإن ده نصيب وإن ست ليال هي نصيبه وقالي محاولش اشوفه تاني!! قالي انا كده بعد ما كان بيترجاني عشان اقابله!!!!!
ثم عاودت تركيزها لما كانت تفكر فيه:
-المهم، جمال خد ايه مقابل اللي عمله؟
فأجابتها والدتها بصدق:
-انتي عارفة حلمه إنه يسافر برا مصر وانا ساعدته وسفرته
فسألتها فيروز:
-اكيد تعرفيله رقم هناك
-اه اكيد
فسارعت الاخرى:
-طب هاتيه
-تمام هو على موبايلي اهوه بس ليه؟
استطردت نشوى وهي تمسك بهاتفها تحاول فهم تفكير ابنتها، فردت فيروز بنبرة مُبهمة خبيثة:
-هصلح اللي انتي عملتيه يا مامي!
***
بعد ساعات......
وصل كلاً من " بدر" وأيسل لمنزل "قاسم البنداري" بعد أن إتصل بهم قاسم ليسألهم عن اخر وقت رأوا به "ليال" وأخبرهم عن حالة يونس المزرية وهو يبحث عن ليال طيلة اليوم في كافة انحاء البلدة.....
وما إن وصلوا حتى توجه بدر ناحية عمه "قاسم" يسأله بقلق واضح:
-ازاي يعني مش لاقيينها يا عمي هي طفلة؟
فضرب قاسم على فخذاه بقلب معطوب من الألم:
-معرفش يابني والله، يونس لسه جاي وحالته مش طبيعية ابدا ولسه قايلي إنه مش لاقيها وإنه كان بيدور عليها طول النهار
فسأله بدر مسرعًا:
-طب فين يونس يا عمي؟
ليجيبه قاسم بقلة حيلة وهو يضرب على فخذاه بحسرة على حال ولده الذي ما إن هم بامساك خيوط السعادة وجدها فرت فرًا من بين يداه:
-فوق طلعته بالعافية يهدى ويرتاح شوية، اطلع شوفه يا بدر خليك معاه الله يرضى عنك
اومأ بدر مؤكدًا برأسه.. ثم إنطلق متوجهًا بسرعة نحو غرفة يونس......
بينما داخل الغرفة كان يونس جالس على فراشه... يتحسسه بشرود تام... يتلمس المكان الذي كانت تنام فوقه.... كم من آآه متوجعة كتمها داخله حتى إختنقت أنفاسه....
لقد بحث عنها في كل مكان يمكن ان تذهب له ولكن النتيجة واحدة.... وكأن القدر يُصر على كي قلبه الذي أدرك العشق ومرارته لتوه...!!
كلما تذكر كل مرة كان يخبرها بها أنه لا يتمنى سوى أن تخرج من حياته نهائيًا شعر بتلك النغزة القاسية تستبيح قلبه بألم رهيب يفوق احتماله... يلعن لسانه الذي نطق بهذا الكلام.... ويلعن قسوة قلبها المفاجئة التي طعنته بها دون مقدمات لتتركه شريد كفقيد والدته....!
دلف بدر ببطء مرددًا اسمه بنبرة قلقة مُشفقة:
-يونس
فنطق يونس بصوت مختنق ونبرة مكتومة:
-لو سمحت يا بدر سيبني لوحدي انا مش قادر اتكلم
كاد بدر ينطق معترضا ولكن تشنج جسد يونس وهو يعطيه ظهره وكأنه لا يحتمل حتى مجرد النطق، جعله يبتلع اعتراضه وهو يومئ موافقا برأسه على مضض:
-طيب يا يونس اللي يريحك، ولو احتاجتني انا تحت
اومأ يونس برأسه دون أن يرد، فغادر بدر بالفعل.....
بينما في الاسفل يسأل قاسم "أيسل" التي جلست بصمت تعض على شفتاها بعدم تصديق:
-انتي اخر مره شوفتيها او اتكلمتي معاها امتى يا بنتي؟
لتتذكر أيسل اليوم السابق.......
بعد أن رأت ليال يونس مع تلك اللعينة فيروز صعدت متوجهة لغرفتها فقابلتها أيسل التي إنتبهت لما يحدث فقالت بنبرة هادئة:
-ليال، رايحة فين كده؟
حاولت ليال تناسي غضبها وهي ترد:
-طالعة اوضتي مضايقه شوية
لتسحبها أيسل من ذراعها برفق تتودد لها:
-طب ما تيجي نقعد مع بعض بدل ما انا قاعده لوحدي لحد ما بدر يرجع
اومأت ليال موافقة على مضض وتوجهتا معًا للغرفة التي تقيم بها أيسل مع بدر....
جلستا على الأريكة وملامح ليال معقودة بضيق نتج عن شعور الغيرة المقيت الذي يمزق احشائها، لتسألها أيسل بدهاء:
-انتي مضايقه عشان هو واقف مع البنت دي صح؟
اومأت ليال مؤكدة دون مقدمات، لتسألها أيسل بهدوء.... تود أن تتقرب لليال اكثر، فاليومان السابقان أكتشفت بهما أن ليال صديقة لا تعوض:
-طب هي مين دي اصلا وجايه ليه؟
فلم تبخل ليال وأفصحت لها بكل شيء منذ بداية تعارفها بيونس طبعًا مع عدم البوح بمن اتفقت معها لتفعل ما فعلت واحترمت أيسل رغبتها فلم تسألها....
ولكن ابدًا لم يعجبها ضعف ليال امام مشاعرها، فراحت تخبرها بنبرة هادئة حملت غيظًا مُبطنًا:
-ليال طريقة تعاملك مع يونس غلط خالص، انتي لغيتي كرامتك من الحسبة نهائي فمترجعيش تلوميه على ده
فتنهدت ليال وعيناها تغيم بمشاعر فياضة أغدقتها وهي تردف بصوت واهن:
-عارفة، لكن انا السبب عشان يكرهني انا اللي اديته السبب لكرهي فـ ازاي هلومه دلوقتي! انا كنت عارفة إن ده اللي هيحصل في الاخر ولازم استحمل
فجابهتها أيسل بقوة:
-انتي السبب بس مش هتقعدي عمرك كله تكفري عن ذنبك ده، انتي تصرفك غلط لكن برضو كرامتك مفروض تكون فوق كل حاجة، انتي جوهرة يا ليال ومينفعش حد يدوس على الجوهرة دي تحت مسمى الحب!
فتهدجت نبرة ليال وهي تلقي بالمبررات التي تزاحمت بعقلها دوما تدفعها لعدم الاستسلام:
-بس برضو لازم اتمسك بيه يا أيسل، لو كل حد فكر في كرامته بس يبقى الحياه مش هتمشي احيانا لازم نيجي على نفسنا عشان اللي بنحبهم
ثم اخذت نفسًا عميقا وتابعت:
-كل ما بفكر ابعد عنه واقول انا تعبت، بخاف.. بخاف اعيش طول حياتي ندمانة على قراري ده، بخاف اتوجع في بُعده اكتر من وجعي في قربه، لما بفكر اني خلاص مش هشوفه تاني بحس إن خلاص كده مفيش اي حاجة ليها معنى، وإن الحياه الحلوة اللي كنت مخططة ليها في حضنه خلاص مش هعيشها ابدا.. يونس كان اخر امل ليا في حياه جديدة يا أيسل
تنهدت أيسل ولم تعلق وهي تسمعها... ربااه.. ذلك العشق توغل لأعمق نقطة داخلها مهلكا كافة دفاعاتها وحصونها وقوتها ليجعلها مجرد ورقة في مهب ذلك العشق يحركها كيفما شاء..!
لم تكن مثل أيسل... تسمح للعشق في التوغل داخلها ولكن لم تسمح أبدا أن يهدم السور الشاهق الذي يحاوط كرامتها كأنثى...!
ربتت أيسل على كتف ليال لتشعرها بالدعم المعنوي الذي لطالما حُرمت منه، ثم استطردت بخفوت:
-ربنا يكتبلك اللي فيه الخير دايما يا ليال، بس خلينا بقا نعيد علاقتكم من اول وجديد، نعرفه إنك مش حاجة مضمونة دايما وإن كرامتك لازم مايتعدهاش، لازم زي ما انتي قوية في كل حاجة تبقي قوية قدامه كمان!
فأومأت ليال مؤكدة برأسها وهي تبتسم لها بحنو.....
عادت أيسل من شرودها، والأفكار ترميها من جانب لآخر لا تفقه اي شيء مما يحدث وقاسم لم يكن احسن حالا منها....
................................................
صباحًا....
لم تغفل عينا يونس ولو لحظة، لقد هجره النوم كما هجرته "لياله" القاسية...
هب يونس منتصبًا حينما سمع صوت هاتفه يعلن عن وصول رسائل على "الواتساب" ففتحها بسرعة عله يجد اي خبر عن ليال....
وبالفعل كان الخبر عن ليال ولكن لم يكن كما توقع، بل كانت عبارة عن صور لــ ليال بين أحضان 'جمال' اللعين وبأوضاع جعلت عقل يونس كالمفرقعات الحارقة......
وفي اسفل الصورة رسالة قضت على المتبقي من تماسكه
" كفاية انا خلاص مبقاش عندي القدرة استحملك أكتر، انا مابحبكش يا يونس، انا بحب جمال.. وقعادي في بيتك رغم معاملتك الزبالة كان مجرد تكملة للخطة عشان أضمن إنك تحبني وتقريبًا كده انا نجحت، اتمنى ماشوفكش تاني ابدا"........
الصدمة شلت عقله.... ليال... ليال هجرته من أجل جمال؟؟؟!!!!!!!
اللي عاوز باقي الروايه يعمل متابعه لصفحتي من هنا 👇👇
لعيونكم متابعيني ادخلوا بسرعه
👇👇👇👇👇