رواية احتيال وغرام الفصل التاسع عشر ( الأخير ) بقلم رحمه سيد حصريه وجديده وكامله

 رواية احتيال وغرام الفصل التاسع عشر ( الأخير ) بقلم رحمه سيد حصريه وجديده وكامله 

بعد مرور ثلاث أسابيع...

خرجت ليال من المرحاض تجفف وجهها بعد عودتها من الخارج، وتلك الابتسامة اللامعة تشرق ملامحها... حتى تلك اللحظة لا تصدق نتيجة التحليل التي أكدت أنها.... حامل! 

نبضة هادرة عنيفة سيطرت على كلها وهي تحيط بطنها بيدها، وذلك الشعور اللذيذ الرائع ينثر وهجه الساطع بين ثناياها... يا الهي.. تحمل قطعة منه بين احشائها.. قطعة ستصبح القفل المتين الذي سيُحيط قلبيهما ليحفظ تلك العلاقة بعيدًا عن صدئ الماضي....


توجهت نحو يونس الذي كان جالس ممسكًا باللابتوب الخاص به يعمل بتركيز، لتتنحنح وهي تجلس جواره مباشرةً متمتمة بصوت خافت:

-يونس

فهمهم وتركيزه مُسلط على ما يفعله، فأكملت ليال بغيظ لأنه حتى لم ينظر لها:

-يونس ركز معايا شوية 

فرمى نظرة خاطفة نحوها وهو يعود ببصره لما يفعل وتمتم في هدوء:

-ايوه معاكي اهوه يا حبيبتي

فكزت ليال على أسنانها ثم انتشلت "اللابتوب" من بين يداه لتغلقه وهي تقول من بين أسنانها بحنق:

-اهوووه اللي مش مخليك تركز معايا، ركز معايا بقا لو مفيهاش اساءة ادب

فزفر يونس على مهل وهو يستدير نحوها يسألها برقة محاولاً امتصاص غيظها وغضبها:

-معاكي يا حبيبتي، في إيه لكل ده؟! 

فنهضت ليال لتقف امامه مباشرةً، ثم وضعت كفها على بطنها تتحسسه ببطء وتلك البسمة المُثقلة بالمشاعر تعود لتستوطن ثغرها، ولكن سرعان ما مُحيت تلك الابتسامة حينما سمعت يونس يردد قاصدًا مشاكستها:

-إيه ده، كرش ؟! اه منا واخد بالي منه من زمان

فأردفت ليال من بين أسنانها والغيظ يتربع داخلها:

-كرش!! هو ده اللي لفت نظرك؟! 


ثم نظرت لبطنها وهي تتلمسها من جديد ليهز يونس رأسه يتابع وهو يضرب كفًا على كف بنبرة مشاغبة:

-طب والله كرش، يابنتي لو عامله رچيم والمفروض أقولك الكرش راح نبهيني طيب! 

لتزمجر ليال فيه بانفعال وهي تحيط عنقه وكأنها على وشك قتله في التو:

-لأ انت فاكرني رقيقة ده انا قتالة قتلة 

فضحك يونس وهو يتلقفها بين أحضانه مردفًا من وسط ضحكاته بنفس النبرة الشقية التي استفزتها:

-اهدي بس يا حبيبتي، الكرش علامة من علامات الجمال برضو

لتصرخ فيه ليال بحنق طفولي وهي على وشك البكاء:

-أنا حامل.. حامل يا أبو النباهه يا عديم الرومانسية والاحساس والمشاعر! 

ليتجمد يونس مكانه وتلك الهالة العنيفة من المشاعر تضربه مرة واحدة ليشعر بها كصاعق كهربائي أصاب بؤرة جوارحه.... هو راوده شك حينما تحسست بطنها ولكنه لم يتيقن... ولكن حينما تيقن.... أحس أن كل ذرة به تصرخ كالبوق في احد الحروب لتهلل بفرحة معلنة أحد اهم سطوره في صفحة هذه الحياه...! 


فنهض من الأريكة، ينظر نحو بطنها تارة ونحو وجهها تارة وهو يسألها وقسماته تصرخ عدم تصديق وسعادة هل طيفها على الأبواب:

-انتي بتتكلمي جد؟! حامل حامل يعني؟ 

فأومأت ليال مؤكدة بحماس طفولي وابتسامة حلوة واسعة وهي ترى تلك اللمعة تضوي كالقمر في ليلة مُظلمة:

-ايوه والله العظيم حامل وبعد ٨ شهور بالظبط هتبقى ابو يزيد

ودون مقدمات كان يونس يحملها ليدور بها بسرعة بجنون... وضحكاتهما تتعالى لتنشر البهجة في ارجاء الغرفة لتعلن أن الفرح الذي كان يستوطن حياتهم... قد تم تتويجه عليها في تلك اللحظات...! 

ثم أنزلها يونس ارضًا لتقفز وهي تصفق صارخة بفرحة طفولية عارمة والسعادة والحماس قد وصلت اقصاها حد السماء:

-هنغير يونس وهتبقى ابو يزيد واخيرًا ! 

فأمسكها يونس بسرعة من كتفاها يُثبتها مكانها ثم حذرها بنبرة أجشة لم يخلو منها القلق:

-بت! متعمليش زي الفرقعلوز كده واهدي دلوقتي يزيد بيه يونس باشا هنا 

قال اخر كلماته وهو يهبط على ركبتاه ليصبح وجهه امام بطنها مباشرةً، وتحركت يده المرتعشة لتحط على بطنها... هنا... حيث طفلهما.. هنا بذرة السعادة التي غابت عن ارض واقعهما طويلاً.... بدا وكأنه يتحسس تلك السعادة... يشعر برجفتها وكأنه تلمس احدى الشهب في السماء العالية.... 

بينما ليال غمغمت مستنكرة بحنق:

-انا زي الفرقعلوز يا يونس؟! من اولها بتسخر مني ومن مشاعري عشان ابنك؟ 

لينهض يونس مبتسمًا ثم أمسك يدها ليلثم باطنها بعمق جعل فراشات عاطفية تداعب احشاء ليال التي سرعان ما استكانت ملامحها خاصةً وهو يستطرد بصوت مبحوح من فرط العاطفة:

-مقدرش يا بطتي، ربنا يعلم إن فرحتي عشان هو منك انتي! 

فرفعت ليال يداها تحيط وجهه الأسمر وإبهامها يتحسس ذقنه النامية ببطء.. بينما عيناها تأججت بتلك العاطفة التي استوطنت كل خلية بها لتحرقها بشغف ذلك الشعور.... وهمست بنعومة تتوهج عشقًا وشغفًا:

-متتصورش أنا ازاي كنت بحلم باليوم اللي فيه هتبقى حتة منك جوايا.. مكنتش متخيلة لو كان أبوه حد غيرك كنت هبقى فرحانة ولا لأ! 

كلماتها غذت ذلك الرجل البدائي المُتملك الغيور المُفعم بالعاطفة العنيفة داخله، لتقبض يده على خصرها تلقائيًا وهو يجذبها نحوه بقوة جعلتها تأن في خفوت ليصبح وجهها أمام وجهه مباشرةً... أنفاسه الهادرة العنيفة تلفح ملامحها البيضاء المتوردة ليقول من بين أسنانه بانفعال عاطفي وهو يضغط على خصرها اكثر دون أن يشعر:

-مينفعش اصلاً تتخيلي مجرد تخيل إنه يبقى من راجل تاني، انتي ليا انا بس.. في الواقع وفي الخيال انتي ليا انا بس، فاهمة؟ 

اومأت ليال مؤكدة متجاهلة الألم الطفيف في خصرها، فتلك النشوة التي تبعثر كيانها فرحة ما إن ترى غيرته تُنسيها اي شعور آخر... 

فيما جلس يونس ثم أجلسها على قدمه، ثم رفع يونس يده ليُحيط جانب وجهها واقترب بوجهه ليلثم وجنتها بقوة ثم ابتعد ليهمس بخشونة تماوجت بها تلك المشاعر الفياضة:

-انتي نصيبي.. نصيبي الجميل اللي كان متشال ليا بس انا بغبائي كنت ماسك في التقليد وسايب الجمال الأصلي اللي ربنا اختارهولي! 

ثم تحركت شفتاه تنوي لقاء شفتاها لتؤكد لها صدق تلك الحروف الشغوفة... وحينما اوشكت شفتاه على مس شفتاها سمعوا صوت "قاسم" يصدح عاليًا وهو ينادي يونس، لتنتفض ليال مبتعدة عنه تهمس بتوتر:

-ده عمو قاسم

فاستغفر يونس بصوت منخفض ووالده يقطع عليه اهم لحظاته التي يحترق شوقًا لها، ثم اخبرها بصوت اجش:

-اه ماهو المفروض كان مستنيني انزله

حينها عادت ليال خطوتان بعيدًا عنه وهي تقول مبتسمة برقة:

-طب خلاص انزل شوفه واهو بالمرة تفرحه بالخبر اللي هو مستنيه

فغمزها يونس بطرف عيناه مرددًا بعبث:

-طب مفيش Kiss كده وانا نازل

لتقرر ليال مشاكسته كما فعل بها وأغاظها، فهزت رأسها وهي تشير نحو الداخل بدلال فطري:

-في كيس زبالة اسود جوه خده وأنت نازل! 

ليجذبها يونس له حتى أصبحت شبه ملتصقة به ثم قال ليخبرها بنبرة ماكرة شقية:

-لا يا بطتي في فرق بين الاتنين، شكلك مش عارفه وأنا هعرفهملك عملي حالاً، الkiss دي اللي بتتخطف من الشفايف زي اللي هموت واخدها دي اما الكيس ده خليهولك وقت حوجة! 


ولم ينتظر لحظة اخرى بل اقتحمت شفتاه شفتاها بلحظة لتروي شوووق شاهق حار، شفتاه تعزف على شفتاها لحن الفرحة الذي صدح بين ثناياه... ليُترجم تلك الفرحة بين شفتاها بشغف وتمهل ليحسها ببطء.... وهي تذوب فعليًا من فرط حلاوة ذلك الشعور... 


ابتعد يونس يلتقط أنفاسه الثائرة ككله، وليال لم تكن اقل حالاً بل كان صدرها مُختنق بالعاطفة فكانت تشاركه أنفاسه اللاهثة، لاحظت حينما هبط إصبع يونس يتلمس بشغف رقبتها وما بعدها عند كتفها حيث الرسمة بالحنة... والتي اكتشف أنها جميلة... جميلة حد الهلاك! 

ليسألها بصوت متهدج:

-ها عرفتي الفرق ولا لأ؟ شكلك معرفتيش وهضطر اوريكي عملي تاني اصلي راجل بحب الإتقان اوي

وكادت يقترب منها من جديد فهزت هي رأسها نافية وهي تبعد خطوة بتمنع مُدلل وتهمس:

-يابو يزيد! 

فهز يونس رأسه مستمتعًا برنين تلك الكلمة على اذنيه، وبصوت متحشرج مُثخن بالعاطفة همس:

-آآه منك ومن حبك، هتموتي أبو يزيد! 

فاتسعت ابتسامة ليال وهي تقترب منه لتدفن نفسها بين أحضانه مغمضة عيناها بارتياح وسعادة غامرة تستشعر دفء احضانه بينما هو يضمها له بقوة متمنيًا لو تظل دائمًا هكذا......


                                 ****


بعد اسبوع آخر....


في الولايات المتحدة... تحديدًا في احدى المستشفيات... 


وقفت فيروز امام غرفة العمليات تعض على أصابعها بتوتر رهيب، ويقف بجوارها جمال... جمال الذي لم يبتعد عنها تقريبًا منذ أن وصلوا ارض الولايات المتحدة، لم تجد هي مفر أمامها سوى طريق واحد اختاره لها القدر... علاج والدتها والفرصة التي يطمح لها جمال... وقد سنحت له الظروف ليكن لها الكتف الذي تستند عليه حينما تميل بها الدنيا... واليد التي ترفعها حينما يُسقطها اليأس.. ظل هذان الشهران السابقان يتسلل داخلها ببطء حتى استطاع لدغ قلبها بمشاعره التي استنكرتها هي سابقًا ...


نظرت فيروز نحوه تسأله بعيون تلألأت بها الدموع وكأنها تتوسل مواساته:

-تفتكر هتبقى كويسة؟ 

اومأ جمال مؤكدًا برأسه ليعطيها ذلك الأمل الذي تود أن تراه محلقًا بعيناه:

-هتبقى كويسة باذن الله متفقديش الأمل

اومأت فيروز وهي تنظر نحو باب غرفة العمليات تهمس بصوت مبحوح برجاء:

-يارب، يارب يارب.. انا مليش غيرها يارب لو راحت انا ممكن يجرالي حاجة

فشعرت بذراع جمال يُحيط كتفاها يُغدقها بذلك الشعور الداعم القوي وهو يخبرها هامسًا بصوت حاني بزغ منه بعض العتاب:

-ملكيش غيرها؟ كل ده وملكيش غيرها يا فيروز؟! 

فهزت فيروز رأسها بتوتر تنفي:

-مش قصدي يا جمال أنت عارف

فأمسك جمال يدها ليلثمها بقوة، وعيناه غائمة تحكي مشاعر لاهبة وجدت فرصتها اخيرًا لتتجلى أمام عيناها على ارض الواقع:

-أنا جمبك وهفضل جمبك دايمًا

لتبتسم فيروز هامسة له بنبرة استوطنها الامتنان:

-ربنا يخليك ليا ! 

بادلها جمال نفس الابتسامة الدافئة، ليستدير يجلب الطعام الذي أحضره لها، ثم مد يده لها بالطعام يردد لها وكأنها طفلته التي يهتم بها:

-يلا بقا كُلي عشان انتي ماكلتيش من الصبح

فهزت فيروز رأسها نافية بملامح متجهمه ثم اخبرته بصدق:

-مش حاسه اني هقدر اكل دلوقتي يا جمال، لما أتطمن على ماما الاول على الاقل 

فقال جمال بإصرار وحنان وهو يمسك يداها ليضع الطعام بينهما:

-مينفعش، انتي كده بقالك ساعات طويلة وممكن يجيلك هبوط، ينفع مامتك لما تفوق وتقوم بالسلامه يعني تلاقيكي مدروخه ومش فايقه حتى عشان تفرحيلها!

لم تستطع سوى أن ترضخ لإصراره الدافئ الجميل... إصراره الذي إنتزع قلبها نزعًا ليغمسه بمزيج من العاطفة التي يكنها لها والحنان المصحوب بالاهتمام، ليجعله خاضع تمامًا لتلك التميمة من العشق والحنان....! 


وبعد فترة خرج الطبيب فتركت فيروز الطعام فورً لتركض نحوه تسأله بالانجليزية بقلق واضح:

-هل هي بخير؟؟ 

فأومأ الاخر مؤكدًا بابتسامة بشوشة:

-نعم، لقد نجحت العملية! 

لم تشعر فيروز بنفسها حينما إرتمت بين أحضان جمال باكية تحمد الله، بينما جمال يضمها له بقوة مستشعرًا حلاوة الشعور بها بين أحضانه... بعد عذاب... بعد صبر طويل.. بعد حرمان أهلكه يأتي العوض والفرصة في آنٍ واحد.. عوض الصبر والعذاب وفرصة للتوبة.... التوبة من خطايا طواها ضمن صفحة الماضي وقد كانت باسم ذلك العشق! 

فكلنا خطاءون لطختنا مُغريات الدنيا بسوادها لتغوينا وتبعدنا عن نعيم الجنة لولا ذلك الستر من الله الذي يفصلنا عن عيون البشر المترصدة... وكلنا مرضى نفسيين... ولكن بدرجات ! 

ولكن الناجي هو من يتمسك بشراع التوبة لينقذ نفسه من الغرق بين براثن أمواج الخطايا العاتية....


                               ****


تعالت ضحكات أيسل بين أحضان والدتها "فاطمة" التي اغدقتها السعادة ما إن اخبرتها أيسل هامسة بأذنها أنها حامل... تضمها لها بحب كبير وهي تربت على خصلاتها الحمراء متشدقة من بين ابتسامتها الفرحة الغير مصدقة:

-مبرووووك الف مبروك يا حبيبتي 

فتمتمت أيسل بوجه متورد استوطنته السعادة:

-الله يبارك فيكي يا مامي 

فسألتها والدتها:

-انتي قولتي لبدر ولا لسه؟! 

فهزت أيسل رأسها نافية وهي تخبرها بهدوء ولازالت بقايا تلك الابتسامة عالقة بشفتاها:

-لأ لسه مجاش من الشغل انتي عارفه إن الشغل متراكم عليه في الورشة بسبب سفرنا للصعيد

فهزت فاطمة رأسها تمط شفتاها وهي تتابع بلوم:

-منا قولتله يشتغل في الشركة يديرها هو وهتبقى أريح له كتير وأحسن لكن هو عنيد

لترد أيسل بجدية فخورة بما هو عليه بدرها الحبيب:

-هو مرتاح في شغله يا مامي وحاسس إنه لو اشتغل في الشركة بتاعتك ده هيمس كرامته، عايز يبقى مُستقل ويكبر من غير مساعدة من اي حد

اومأت فاطمة برأسها موافقة بابتسامة حانية وكل يوم يزداد يقينها أنها لن تجد رجلاً كـ بدر لطفلتها.... رجلاً يُعنفها ويقومها حينما تخطئ كطفلة... ويحتويها بحنانه حينما تحتاجه كمراهقة... ويروي انوثتها بشغفه وعشقه الحار الدفين كامرأته...! 

ربتت فاطمة على كتف أيسل تخبرها بحزم:

-يلا طب قومي جهزي نفسك عشان تستقبلي جوزك وتفرحيه، ومتنسيش تقوليله إنكم مش هترجعوا شقتكم وهتفضلوا معايا هنا لحد ما تقومي بالسلامة 

فاقتربت ايسل منها لتطبع قبلة على وجنتها هامسة بسعادة وحب:

-من عيوني يا احلى طمطم في الدنيا


ثم ركضت نحو غرفتها بحماس وفرحة لا تستوعب حتى التو أن حياة اخرى اصبحت داخلها...! 


وبالفعل بعد فترة كانت قد إنتهت من تصفيف خصلاتها الحمراء النارية وتعطرت ليفوح عطرها الذي يعشقه في الغرفة، ثم جلست على الفراش منتظرة خروجه من المرحاض بعد عودته من العمل... 

خرج بالفعل بعد دقائق ليلاحظ بدر السعادة التي أنارت طرقات وجهها بعد حزن غيم فوقها طويلاً، فسألها مستفسرًا:

-في حاجة يا أيسل؟! 

فاتسعت ابتسامة أيسل وهي تنهض مقتربة منه لترفع إصبعان وتشير له بنبرة حملت حماسًا مشتعلاً أصابه فتيله:

-في حاجتين مهمين اوي لازم تعرفهم 

فسألها بدر بابتسامة استمدها من ابتسامتها الواسعة:

-إيه اول حاجة؟ 

فعضت أيسل على شفتاها... والحماس يغلي داخلها والفرحة تخالطه، فأمسكت أيسل كف يده الخشنة الكبيرة لتضعها على بطنها هامسة وهي تضغط على حروفها ببطء وكأنها تزرع داخله زرعًا تلك الحروف المعبئة بعبق السعادة:

-انا حامل يا بدر

للحظات لم يستوعب ما تقول... حامل... صغيرته تحمل طفله...! 

كلما استوعب كلمة كلمة شعر أنه يرفرف بأجنحة السعادة في جنة النعيم... إلتوت تلك الابتسامة على فاهه بعدم استيعاب وهو يسألها:

-قولتي إيه؟

فهمست أيسل مستمتعة بالصدمة البادية على وجهه:

-قولت أنا حامل يا بدر وهتبقى بابا ! 

فتحركت عينـا بدر بتلقائية نحو بطنها وكأنه يود منها التصديق على ما يسمعه، ليهمس مبتلعًا ريقه بتوتر وقد بدأت الابتسامة تتسرب لشفتاه:

-يعني بعد كام شهر ممكن تجيبلنا جنية صغيرة؟! 

فضحكت أيسل وهي تومئ مؤكدة برأسها ليهبط بدر وبحركة مباغتة يطبع قبلة طويلة عميقة على بطنها ثم ضمها له من خصرها ضاحكًا وطعم السعادة الحقيقية يُداعب جوفه لأول مرة بذلك الشعور الرائع...... 

فأغمض عيناه يتوسل واقعه ألا يكون ذلك حلم سيغادره بعد قليل، وخرج صوته مُحتلاً بمشاعر شتى وهو يخبرها بصدق:

-مش مصدق.. مش مصدق إن حتة مني ومنك عايشة جواكي دلوقتي! 

فهبطت أيسل لمستواه لتمسك وجهه بين يداها مؤكدة له:

-لأ صدق يا حبيبي

فسألها بدر بابتسامة مشرقة وقد استل بساط الحماسة والفرحة:

-والحاجة التانية؟ 

أمالت أيسل رأسها وكأنها تفكر، ثم أجابت بنبرة حاسمة متأهبه لرد فعله:

-الحاجة التانية إني قررت أتحجب، بقالي كام يوم بقرأ عن الحجاب وقررت أتحجب، مينفعش يبقى ربنا بيكرمني وأنا حتى أقل حقوقه عليا مبعملهاش! 

إن ظن أنه سعيد فهو الان يطير من فرط السعادة، بكلمات بسيطة صغيرته منحته مأوى في الجنة يتظلل بنعيمها.... 

جذبها له بعنف يحتضنها بقوة متأوهًا في أعماقه من لذة المشاعر المُهلكة:

-آآه يا جنيتي، لو تعرفي انتي خلتيني اسعد مخلوق في الدنيا دلوقتي مش عايز اي حاجة تاني من الدنيا ! 

ثم أمسك بخصلاتها النارية التي يعشقها يتحسسها بشغف ثم دفن وجهه عند رقبتها سامحًا لرائحتها المُسكرة أن تنساب بين مسامه لتخدره بذلك الشعور اللذيذ....ليخرج صوته خشن بهمجية عاطفية وهو يردف:

-ده أحسن قرار اخدتيه، شعرك ده مش من حق اي راجل غيري أنه يشوفه ويستمتع بمنظره، من حقي انا بس يا جنيتي! 

اومأت أيسل مؤكدة بعينين تلمع فرحة ورضا، فيما تسلطت عينـا بدر على شفتاها التي تعض عليها حينما تكون في أقصى درجات حماسها، لتتكاتل عليه العاطفة حتى أصبحت أنفاسه عالية ثقيلة، فاقترب مستسلمًا لذلك الطوفان العنيف من المشاعر... يود أن يصك شفتاها بمذاق النعيم الذي أحسه بكل جوارحه بفضلها...


وبالفعل حينما تقابلت الشفاه... رُفعت راية الاستسلام لتتعالى الأنفاس ويعم السكون وتنساق القلوب خلف شعاع قوي من العاطفة بزغ بين قلبيهما ليربطهما.... 


وحينما شعرت أيسل بيداه تتسلل لها هزت رأسها نافية تخبره بمكر انثوي:

-لأ يا بيبي الدكتورة قالت مينفعش! 

فصاح بدر بتذمر:

-دكتورة إيه إيش عرفها هي

ثم نظر نحو بطنها لاويًا شفتاه بترفع مصطنع:

-متفهمنيش غلط، جنيتي الصغيرة هي اللي عايزه أبوها يبقى قريب منها ! 

فضحكت أيسل براحة لتسأله بعدها مفكره:

-ليه بتقول هي، ما يمكن يكون ولد

فهز بدر رأسه بعينان متوهجتان شغوفتان يخبرها:

-لأ، بأذن الله هتجيبلنا جنيات صغيرة مش جنية واحدة كمان! 


                            ****


بعد شهور طويلة.... في المستشفى.. 


عضت أيسل على شفتاها بتوتر وهي تستمع لصرخات ليال المتألمة من داخل غرفة العمليات، بينما بدر جوارها يراقبها وهي تسير ذهابًا وإيابًا في رواق المستشفى بتوتر رهيب ليضرب كف على كف بسخرية ضاحكًا:

-والله ما عارف مين اللي بتولد انتي ولا هي!

لتزمجر فيه أيسل بغيظ:

-بس يا عديم الاحساس، مش شايفها عماله تصوت ازاي شكلها بتتألم اوي يا عيني، ويجي واحد براس كلب يقولك هي الست بتعمل إيه يعني!

وحينما تخيلت أنها ستكون مكان ليال بعد شهر تقريبًا أحست بالفزع يفرض زمامه عليها لتهز رأسها نافية بخوف طفولي أضحك بدر:

-يعني انا هحس باللي هي حاسه بيه دلوقتي؟! لا لأ مش عايزه اولد

وحينما نظرت لبدر ووجدته يضحك ضربته بقبضتها الصغيرة وهي تغمغم بحنق:

-على فكره أنت بني ادم مستفز امشي من قدامي

فتلاعب بدر بحاجباه يشاكسها وهو ينظر نحو بطنها المتكورة:

-زتونة بتتكلم انا اول مرة اشوف زتونة بتتكلم! 

لتضحك أيسل هذه المرة رغمًا عنها وقد نجح في أن ينتشلها من بقاع خوفها الفطري ولو لدقائق......


بينما في الداخل يقف يونس جوار ليال والقلق والخوف يفتك به وهو يرى الألم المحفور على ملامحها، وفي نفس الوقت يحمد الله أنهم كانوا في زيارة للقاهرة بعد أن أصرت ليال على زيارة المعز وجاء موعد ولادتها دون مقدمات ليسحبها نحو المستشفى بعدما اتصل ببدر...... 


إنتبه لها حينما اشتدت قبضتها على يده وهي تصرخ فيه قائلة:

-هاتلي ابويا، انا عايزه ابويااا دلوقتي

فهز يونس رأسه بتوتر:

-هجيبه ازاي بس يا حبيبتي دلوقتي، تقومي بالسلامه وهبعت حد يجيبه حاضر

لتهز ليال رأسها وتزمجر فيه بانفعال ووجه محمر:

-لأ بقولك دلوقتيييي مش هولد الا اما يجي

فداعب يونس خصلاته السوداء بيده يزفر بعمق قبل أن يتمتم بسرعة:

-حاضر يا حبيبتي حاضر 


وبالفعل خرج يونس ليخبر بدر بعنوان "حامد" ويؤكد عليه ألا يأتي من دونه ويقنعه إن رفض بأي طريقة وبالطبع لم يتأخر بدر بل إنطلق على الفور..... 


وبعد فترة...... 


وصل كلاً من حامد وبدر المستشفى، كان حامد يسير بملامح متجهمه كانت قناع يخفي به لهفته في رؤية ابنته وحفيده.... رفض في البداية أن يأتي نعم وعقله يرفض رؤيتها مرة اخرى كما اقسم.... ولكن تلك النغزة القاسية بالشوق لرؤيتها بعد حرمان طال وهو الذي عاش نصف عمره وهي جواره، و الشوق لرؤية حفيده ايضًا، لم يستطع السيطرة عليها لتفجر بؤرة الفطرة التي كان يكتمها......

وبمجرد وصوله هو وبدر سمعوا صوت بكاء الطفل معلنًا وصوله تلك الدنيا ليصبح الخيط الذي سيسد تلك الرقعة بين والدته وجده...! 


خرج يونس يحمل طفله بين ذراعاه بفخر وحنان أبوي يغدقه لأول مرة وهو يردد لهم برأس شامخة:

-يزيد يونس البنداري..! 

فتوالت عليه التهنئة من بدر وأيسل التي برقت عينيها وهي تراقب ذلك الصغير، ليتقدم يونس نحو حامد ودون كلمة كان يمد يده بالطفل نحوه وبعد لحظات تردد إلتقطه حامد بيدان مرتعشتان وقد هجم عليه ذلك الطوفان من المشاعر ليقتلع سواد الحقد من جذوره....

ولم تكن تلك النهاية بل كانت مجرد بداية جديدة..! 


                                 ****


تمت بحمد الله ⁦♥️⁩


خلاص الرواية خلصت فـ ايًا كان التفاعل كتير او قليل على الفصل ده فهو هيكون تقدير منكم لمجهودي، وشكرا لكل حد كان متابع معايا وقدرني او حتى كان متابع بصمت 😍😍


ودمتم متابعين ⁦❤️⁩⁦❤️⁩



بداية الروايه من هنا



اللي عاوز باقي الروايه يعمل متابعه لصفحتي من هنا 👇👇


ملك الروايات



لعيونكم متابعيني ادخلوا بسرعه


👇👇👇👇👇


جميع الروايات الكامله من هنا







إرسال تعليق

أحدث أقدم