رواية سر غائب مقدمة والفصل الاول بقلم الكاتبه سماح نجيب
مقدمه
ما أقسى شعورها بالمرارة والخذلان عندما تجد قلبها خاوياً فجأة من أحلامها التى نسجتها من خيال وردى ،أن تجد أزهار الحب ذابلة وأن يصبح بستان أحلامها مأوى لأشواك الماضى وعوضاً عن طيور الحب المغردة تستمع لأصوات أشباح مخيفة وعويل قلب أحترق بنيران الإنتظار ،فتطلق العنان لروحها أن تغادر ولكن تجدها مكبلة باغلال لاسبيل لكسرها ،فهى ربيبة المجتمع المخملى لم تذق يوماً للرفض طعماً من جانب والدايها حتى ظهر هو بحياتها أذاقها مرارة الرفض وأشعل بقلبها نيران الغيرة والهوى،فأقسمت هى أن تذيقه مرارة حيرتها حتى يأتيها طالبا الصفح والود من قلبها ،فهكذا كان عشقها مقيدا لروحها قبل قلبها باتت نفسها تهفو إلى حلم رأه كل من حولها أنه ضرب من الجنون إلا انها أبت أن تستسلم لتلك الأقاويل فكلما أقتربت من تحقيق حلمها فر من بين أصابعها كالرمال الناعمة حتى وصلت الى نهاية درب العشق فوجدت نفسها على حافة الهاوية وهناك سر دفين يفوح منه رائحة الماضى وشرك تخطو هى فيه بكل براءة وعيناها معصوبتان بوشاح الحب الحريرى
سر غائب
البارت الأول
تنهمر الأمطار بغزارة تنقر زجاج النافذة كحبات الحصى ورياح عاتية تعصف بالخارج تسربت من تلك الشقوق التى تملأ الجدار تحالفت جميعها كأنها أصوات لطقس جنائزى فى تلك الغرفة المظلمة التى تجلس بها فتاة معصوبة العينين ،مكبلة باصفاد حديدية ، تشعر ببرودة تغزو أطرافها ،تسمع أزيز بعض الحشرات ، يقبض الخوف على فؤادها لا تعرف ماذا تفعل هنا؟ صرخت بصوت عالى تكاد تنقطع احبالها الصوتية من شدة صراخها لعل احد ينقذها
–:" حد يلحقني يا نااااس حد ينقذنى فى حد سامعنى"
لاتسمع جواب على نداءها بللت دموعها تلك القطعة من القماش الموضوعة على عينيها والتى تشعر كأنها تقبض على انفاسها تهدج صوتها يحمل غصة مريرة فلا احد سينقذها ستظل هكذا سجينة ولا تعرف لماذا حاولت ان تنادى مرة اخرى
–يانااااااس حد سامعنى انا هنا الحقونى
سمعت خطوات تقترب منها ارهفت السمع لتلتقط أى شئ يحيى بداخلها الأمل انها ليست وحيدة فى ذلك المكان الذي لم تراه فهى لا تعرف كيف وصلت الى هنا؟
اقتربت منها تلك الخطوات شعرت بأن احدهم يجلس مقابل لها شعرت بدفء انفاسه تلفحها ازاء وجهها أرادت ان تعرف من يكون فبادرت مسرعة تردف بأمل:
– انت مين رد عليا الله يخليك خرجنى من هنا انا معملتش حاجة ومش عارفة انا هنا ليه اصلا انت سامعنى او سمعانى مين معايا فى الاوضة الله يخليك رد عليا
ولكن لا تسمع إجابة من ذلك الذى باتت تشعر كأن هناك جحيم ينبعث من انفاسه التى ربما ستمزق صدره من حدتها وقوتها ، مد يده سحب عصبة عينيها رمشت بعينيها عدة مرات كأنها عاجزة عن الرؤية الا انها رأت الظلام يحيط بالغرفة يسقط ضوء شحيح على عينان أصابتها بالذعر عينان سوداء بلون قاتم تلتمع تشبه جمرتين من لهيب مشتعل وجدت شئ يزحف إلى عنقها ولم تكن سوى يد ذلك المجهول الذى لا تعرف حتى من يكون ، قبضت يده على عنقها يضغط عليه باصابع فلاذية تكاد ان تزهق انفاسها ، تحركت بعصبية تحاول ان تحرر نفسها من قبضة يده دون جدوى فهتفت بصوت مختنق
–:" سيبنى هموت سيبنى ابعد عنى"
لم تفلح فى تخليص عنقها من يده ، فهى الآن يكاد يزحف اليها ظلام النهاية فربما الآن ستختنق وتموت اسلمت نفسها لقبضة يده فهى فشلت فى افلات نفسها من بين براثن تلك اليد التى ربما تضغط بحقد ، استرخى جسدها اسلمت أمرها فربما هذا افضل من ذلك العذاب الذى لا تعرف سببا له
رن جرس المنبه يحدث صوتا عاليا فانتفضت من نومها بذعر تلتقط انفاسها بصعوبة بسبب ذلك الكابوس الذى شعرت معه انها ستلقى حتفها حتماً فطفقت تردد:
–:" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم استغفر الله العظيم الحمد لله انه كابوس انا كنت حاسة ان مت بجد الحمد لله"
تركت فراشها وقفت أمام الشرفة تزيح الستائر تريد ان تستنشق بعض الهواء فهى تشعر بأن رئتيها أصابها نقص الهواء بسبب ذلك الكابوس المزعج ، اغمضت عينيها تستنشق الهواء بنهم قائلة:
–:" اااااه الهوا النهاردة جميل اوى شكله هيبقى يوم حلو اوى بس لولا الكابوس المزعج ده اللى ضايقنى "
فتحت عينيها التى تشبه لون العسل الصافى تحاوطها رموش سوداء كثيفة ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها المكتنزتين التى تشبه حبات الفراولة فنظرت الى حديقة المنزل الغناء التى تزخر بمختلف الزهور والاشجار كأنها جنة فهذا ما يميز منزل عائلة " الرافعى" تلك العائلة العريقة التى تنحدر اصولها لاغنى عائلات مصر فتلك الفتاة ذات العشرون ربيعاً ابنة الدكتور " جمال الرافعى" الذى يملك من أرث ابيه ربما اذا سمع به احد لا يصدق ان هناك من يمتلك كل هذا الثراء لذلك اصر والدها عندما وضعتها امها وجاءت الى هذا العالم ان يسميها " ثراء"
نظرت ثراء الى أسفل الشرفة لمحت ذلك الرجل يقوم بتأدية التمارين الرياضية التى اعتادت ان تراه يؤديها بشكل يومى منذ قدومه للعمل هنا كحارس وسائق شخصى لها منذ ستة أشهر تقريباً ،قام بتعيينه والدها لكى يقوم بحراستها خوفاً عليها من المتطفلين الذين حاولوا اكثر من مرة ازعاجها ، تركت الشرفة دلفت الى الحمام لتأخذ حمام سريع تخرج بعد ان توضأت لتصلى صلاتها فبالرغم من التحرر الذى يتبعه سكان هذا المنزل الا ان تلك الفتاة قد غرست بها امها حب الدين والالتزام انتهت من صلاتها وجدت باب غرفتها يفتح وتدلف منه امها ، امرأة خمسينية تدعى فيروز لم ينقص الزمن من جمالها ترتدى عباءة باللون الفضى يزينها حجاب رقيق يضفى على وجهها نعومة وجمال ، قامت ثراء من مكانها اقتربت من والداتها تحتضنها بحب
—:" صباح الخير يا ماما"
لتنظر إليها فيروز بابتسامة تربت عليها بحنان قائلة
—:" صباح النور على عيونك يا قلب ماما يلا ياقلبى علشان تفطرى وتروحى كليتك ذاكرتى كويس علشان الامتحان "
فأومأت ثراء بابتسامة قائلة:-
—:" ايوة الحمد لله حاضر يا ماما هلبس واجى وراكى على طول بابا صحى ولا لسه اوعى يكون راح المستشفى قبل ما اشوفه"
ألتفتت إليها والداتها قبل ان تعبر من باب الغرفة تردف بابتسامة:
—:" انتى عارفة باباكى بيصحى بدرى علشان يروح المستشفى بس هو لسه موجود يلا هستناكى تحت"
خرجت فيروز من الغرفة اسرعت ثراء لتنهى ارتداء ملابسها لكى تذهب الى كليتها فهى طالبة بالجامعة تدرس ادارة اعمال بالرغم من كرهها لتلك الدراسة ولكنها تفعلها ارضاء لعمها الذى اصر عليها ان تدرس ادارة اعمال بالجامعة الامريكية لتقوم فيما بعد بتولى زمام امور ادارة الجزء الخاص بوالدها في مجموعة شركات العائلة وهى شركات متخصصة فى صناعة و بيع الذهب والألماس فهى تجارة العائلة منذ الأزل، قبل ان تخرج من الغرفة سمعت رنين هاتفها التقطته بابتسامة قائلة:
– صباح الخير
انبعث إلى اذنها صوت رجولى رزين قائلاً بهدوء:
– صباح النور حضرتك صحيتى خلاص علشان متتأخريش على الامتحان
مدت ثراء احد يديها تسحب حقيبتها قائلة:
– اه خلاص انا جاهزة ونازلة دلوقتى هفطر واخرج على طول
هبطت الى الاسفل ترتدى ملابسها تتزين بحجابها الذى لم يزدها سوى جمال اضافة الى جمالها الذى حباه لها الله نظرت الى افراد اسرتها بداية من والدها الحبيب فهو رجل في منتصف الخمسينات بوجه وسيم طبيب له مشفي خاص يديره فهو في صغره فضل دراسة الطب ولم يشأ ان يصبح رجل اعمال مثل والده الراحل او مثل شقيقه الاكبر اهدت ثراء والدها ابتسامة وقبلة علي وجنته قبل ان تنظر لباقي افراد عائلتها بداية من عمها " عزام الرافعى" وهو رجل فى بداية الستينات يغزو المشيب رأسه يضفى عليه وقار وهيبة لديه ملامح وسيمة وهذا ما يميز ذكور هذه العائلة فجميعهم يمتازون بالوسامة وتمتاز الإناث بالجمال وزوجته المدعوة" لبنى" امرأة فى منتصف الخمسينات من عمرها ترتدى ثياب لا تناسب عمرها فهى تعيش كفتاة فى العشرينات وأبنهم شاب يدعى " شهاب" فى الثامنة والعشرين من عمره يعمل مع والده فى الشركة الخاصة بهم خريج كلية الهندسة وابنتهم المدعوة" ميرا" فتاة مدللة لاتكترث بأحد سوى نفسها فى ال22 من عمرها تكبر ثراء بعامين وخريجة كلية الألسن
حاولت ثراء رسم ابتسامة خفيفة على وجهها وهى تقترب منهم ثم جلست بجانب والداتها التى رمقتها بحب قائلة:
—" صباح الخير عليكم جميعا
ليجيب جميع الجالسين بصوت منخفض:
....:" صباح النور"
وعادوا ليكملوا تناول طعامهم مثلما كان يفعلون سمعت ثراء صوت ميرا تنادى على الخادمة بصوت عالى وغاضب:
—:" انتى يا عفاف انتى يا بتاعة انتى"
أتت الخادمة تهرول من المطبخ بعد سماع اسمها تقترب مسرعة لمعرفة ماذا تريد منها
—:" ايوة يا ست ميرا اؤمرى"
نظرت اليها ميرا بغضب قائلة:
—:" انتى مش يا زفتة انتى قولتلك 100 مرة انا مبحبش الكابتشينو سكره كتير انتى عملاه ايه ده "
ابتلعت الخادمة ريقها بخوف تجلي علي نبرة صوتها المتحشرجة تردف بتلعثم ظاهر:
—:" والله يا ست هانم حطيت معلقة واحدة بس زى حضرتك ما أمرتى"
نهضت ميرا من على مقعدها تقف مقابل لها تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر اليها باحتقار تردف بحنق:
—:" انتى يعنى هتكدبينى يا بتاعة انتى"
رفعت ميرا يدها وعندما همت بصفعها على وجهها وجدت من يمسك كفها قبل ان يهوى على وجه تلك الفتاة المسكينة ، نظرت ميرا بغضب لمن فعل ذلك وجدت عينان تطالعها بغضب كاسح ربما ابتلعت ريقها خوفا من نظرة ذلك الرجل الذى ربما على وشك كسر يدها نظرت ميرا الى هيئته كان يرتدى بدلة سوداء بقميص ابيض وربطة عنق سوداء أنيقة يضع باذنه سماعة هاتف لاسلكى ويضع بخصره سلاح ناري فماذلك الرجل سوى ذلك الحارس الشخصى " أيسر خطاب" شاب فى الثانية والثلاثون من عمره يمتاز بملامح شرقية مليحة حاجبين كثيفين عيناه خضراوتين كحبات الزيتون الناضج وشعر اسود كثيف متحفز دائما كنمر يتربص لفرائسه
ضغط أيسر علي يدها يجز علي انيابه قائلا:
—:" ميصحش كده يا انسة ميرا هى ذنبها ايه علشان تضربيها هي عملت اللي انتى قولتلها عليه هى مغلطتش فى حاجة "
لم تتفوه ميرا بكلمة واحدة فاختلجت تلك الابتسامة على ثغرها من رؤيته وليس هذا فقط فهو ممسك بيدها أيضا ولكن شقيقها هو من هم بالرد عليه فهو منذ مجئ أيسر للعمل لديهم ونشأت بينهم عداوة لم تخفى على جميع من فى المنزل
فأسرع شهاب بالرد عليه بنبرة مفعمة بالعداء:
—:" انت ازاى اصلا تتجرأ وتمسك ايدها انت نسيت نفسك ولا ايه انت زيك زى اى واحد شغال هنا متتطاولش على اسيادك ولا تمد ايدك على اى حد فاهم ولا لاء يا بتاع أنت يا تربية الحوارى"
نظر اليه أيسر نظرة هادئة برغم ما يعتمل بصدره من نيران تصب حمم بركانية بداخل عروقه فأردف بهدوء:
—" انا مطاولتش على حد بس كده حرام تنضرب وهى ملهاش ذنب ثم حضرتك انا مش بتاع انا أسمى أيسر ولا حضرتك لسه محفظتوش لدلوقتى واه انا تربية حوارى مش قصور بس تربية الحوارى بتحترم الناس اللى تستاهل الاحترام"
انتفخت اوداج شهاب من الغضب وعندما هم بالرد عليه
وضعت لبنى قطعة الجبن فى فمها تنظر اليه باستخفاف تردف بعدم اكتراث:
—:" غلطت يبقى تتعاقب وبلاش تتعاقب انت كمان معاها يا أيسر ها وأعرف انت بتتكلم مع مين ولا علشان بتلاقى اللى يدافع عنك شايف يا دكتور جمال اللى انت جيبهولنا فى البيت وبيطول لسانه علينا ومتفرعن بسبب دفاعك عنه انت ومراتك وبنتك"
هتفت فيروز بغضب من عجرفة تلك المرأة التى ترى الخدم كأنهم عبيد لديها وليسوا بشر:
—:" أيسر معاه حق هى ملهاش ذنب بنتك اللى بتتلكك علشان تضرب اى حد على الصبح ثم ابنك كمان على طول بيحاول يقلل من أيسر متقوليش واخد ورثه"
نظرت اليها لبنى بكره فهى تكرهها بشدة بسبب حب كل العاملين بالمنزل لها ولابنتها فنظرت اليها قائلة:
—:" خليكى فى حالك انتى يا فيروز محدش وجه ليكى كلام بتردى ليه "
أحتدت فيروز على طريقة تلك المرأة فى الحديث معها:
—:" يعنى ايه اخلينى فى حالى هو افترا وخلاص وأنتى ازاى تكلمينى كده انتى ناسية ان انا هنا زيى زيك وزى ما أنتى وولادك عايشين فى القصر ده انا كمان وبنتى وجوزى عايشين فى ملكنا ياريت تفهمى ده كويس يكون أحسن"
احتدم النقاش بينهم اصبحت النظرات غير ودية فربما لو كانوا بمفردهن كانوا لن يتوانون عن ضرب بعضهن البعض
قام عزام بضرب المائدة بقبضة يده تحدث الاطباق صوتاً من قوة الضربة يردف بصوت غاضب:
—:" بسسسس انتوا مش عاملين احترام لوجودى كمان ولا كأن فى كبير قاعد ثم يا جمال سكت مراتك مش كل يوم نفس الموال ده لازم تعرف ان انا هنا الكبير ولا علشان سايب الكل براحته لاء لو على كده هيبقى فى كلام تانى"
نظر اليه جمال بهدوء فهو يعلم ان زوجته لم تخطئ فلبنى دائما ما تفتعل شجارات بينها وبين زوجته:
—:" هى مراتى عملت ايه يا عزام هى بتقول الحق الناس دى بتخدمنا اه لكن دول بنى ادمين مش عبيد علشان نعاملهم بالطريقة دى زمن الوسية ده خلاص انتهى اللى ابنك الظاهر كان بيتفرج على المسلسل كتير وحابب يعيش فى دور المالك والسيد وان اللى بيشتغلوا عنده عبيده "
نظر اليه عزام بسخرية بسبب دفاعه عن زوجته دائماً
سكتت الالسنة عن الكلام اشار عزام بيده لأيسر فتقدم منه بضع خطوات فهتف عزام بنبرة رزينة:
—" خد ثراء وصلها الكلية وتانى مرة متمدش ايدك على بنتى يا أيسر انت فاهم ومش هقولهالك تانى لان بعد كده انت هتسيب الشغل هنا خالص مفهوم حتى لو اخويا بيدافع عنك لأن الكلمة الأولى والأخيرة فى البيت ده ليا انا مش لحد تانى "
هز أيسر رأسه قليلاً دليلاً على موافقته على كلامه قائلا:
—" مفهوم يا افندم اتفضلى معايا يا آنسة ثراء "
تتابع ثراء الحوار بينهم بصمت فهى كل يوم ترى هذا المشهد بتفاصيل مختلفة فميرا لابد لها من ان تختلق شجارات مع العاملين بالمنزل مفسحة بذلك المجال لوالداتها ان تتشجار معهم هى أيضاً..!!!
__________
" فى منزل الحاج رضوان"
يحمل ذلك العجوز مسبحته مردداً التسبيح والاستغفار والدعاء حتى رأى زوجته وهى تحمل له كوب الشاى الخاص به فتناوله من يدها بابتسامة كعادته قائلاً:
_"تسلم ايدك يا سميرة"
جلست سميرة بجواره ترتاح فى جلستها تبتسم له قائلة:
_تسلم يا رضوان يلا اشرب الشاى علشان تنزل تفتح الدكان بتاعك وتشوف رزقك"
قهقه رضوان عالياً بسبب اصرار زوجته على تسميه المكتبة الخاصة به بال" دكان''
_" بقالى سنين بقولك اسمها مكتبة مش دكان يا سميرة"
لتشيح سميرة بيدها قائلة:
—" يا اخويا مكتبة ولا دكان مش فارقة هقوم اشوف حسام صحى من النوم ولا لاء خليه ينزل معاك هو كمان يفتح ورشته لو انا مصحتهوش هيفضل نايم طول النهار الواد ده مبيشبعش نوم ابدا"
دلفت سميرة إلى غرفة حفيدها حسام ، فتحت نافذة الغرفة ليتساقط ضوء الشمس على شاب فى اوائل الثلاثينات من عمره فانكمشت ملامحه متأففاً يسحب الوسادة الصغيرة ليضعها على وجهه ليحجب عنه ذلك الضوء ليهتف بنبرة ناعسة:
—" يا تيتة اقفلى الشباك ده نور الشمس مضايقنى مش عارف أنام"
أقتربت منه جدته تسحب الوسادة من على وجهه تهتف به بغضب مصطنع:
—:" قوم يا واد انت يلا بقى قوم شوف أكل عيشك هتفضل نايم للضهر دا الرزق يحب الخفية قوم يلا والا والله ما هتعرف اللى هيجرالك يا حسام"
نهض حسام من على الفراش قائلا:
—" يعنى هنزل الاقى الورشة نقلوها يعنى ما هنزل الاقيها مكانها وزمان عفيفى فتحها ثم هتعملى ايه يا مرمر هتضربى حفيدك حبيبك"
اقتربت منه جدته تقرصه من وجنته تردف:
—" يعنى انت جبتلنا الصداع علشان تفتح الورشة بتاعتك دى ومرضيتش تروح تشتغل بشهادتك علشان دلوقتى تقول كده مش دى الورشة اللى عملتنا فيها شغل القرود بتاعك ده علشان تفتحها
حدق بها حسام بذهول قائلاً:
—" شغل القرود بتاعى! ايه الكلام ده يا تيتة ثم يعنى كنت هشتغل فى شركة ويطلعوا عينى وحد يتحكم فيها لاء انا كده حر نفسى"
ثم استأنف قائلا بمزاح:
—أنا دلوقتى الباشمهندس حسام عاطف رضوان الميكانيكى قد الدنيا"
عندما سمعت سميرة إسم ابنها الراحل كسى الحزن وجهها فوالد حسام ووالدته وافتهم المنية أثر حادث حريق فى منزلهم القديم فحسام فى ذلك الوقت لم يكن يبلغ العاشرة من عمره ليتولوا هم فيما بعد تربيته ونشأته حتى تخرج حسام من كلية الهندسة
_" انا هحضرلك الفطار على ما تجهز نفسك يا حسام ويلا بقى وبطل دوشة"
خرجت سميرة من الغرفة، ليصدح رنين هاتف حسام بوصول رسالة فالتقطه من على الكومود ينظر لتلك الرسالة المرسلة إليه فقرأها ليردف بعد ذلك:
—" وبعدين بقى فى المصيبة السودا دى انا عارف ان اليومين الجايين ما يعلم بيهم الا ربنا والشغلانة دى هتجيب اجلى استرها يارب"
دلف حسام الى الحمام وهو مازال يفكر فى محتوى تلك الرسالة فهو لا يريد فعل ذلك ولكن ليس لديه حق الإعتراض فهو يريد ان يمر ذلك الأمر بسلام فلو أخفق فربما ستصبح العواقب وخيمة للغاية ،بعد ان اخذ حمامه خرج ليرتدى ملابسه سمع رنين هاتفه التقطه بتأفف قائلا:
– افندم خير على الصبح بعتلى الرسالة ايه لازمة المكالمة ولا أنت لو معكننتش عليا حياتى يجرالك حاجة يا مجدى
قهقه مجدى بسخرية قائلا:
– انا بس بأكد عليك احسن تكون نسيت يا أسطى حسام ولا حاجة وانت عارف لو انت نسيت ولا عملت نفسك ناسى ايه اللى ممكن يجرالك
أطلق حسام سباب من بين شفتيه بصوت هامس ليستطرد قائلا:
– منسيتش يا مجدى وفاكر ولو إن انا نفسى افقد الذاكرة وانسى اليوم اللى شوفتك وعرفتك فيه كانت اسود معرفة فى حياتى وسلام بقى بلاش عكننة على الصبح وهجيلك فى الميعاد
اغلق حسام الهاتف قبل ان يتمكن مجدى من الرد عليه فخرج من غرفته اصرت عليه جدته بتناول طعام الافطار الا انه رفض رفضا قاطعاً فهو عندما يتعكر صفو مزاجه لا يرغب فى فعل شئ..!!!
__________
نهضت ثراء من مكانها تجلب حقيبتها لتذهب الى كليتها فلم يتبقى وقت كثير على بدأ الامتحان ويجب ان تذهب الآن ولكن استوقفها صوت ميرا:
—"استنى يا أيسر علشان توصلنى النادى"
رفعت ثراء احدى حاجبيها تعجبا من كلام ابنة عمها فهى تعلم ان أيسر حارس شخصى لها هى فقط ولكنها لا تتوانى عن ازعاجها فردت قائلة:
—:" حضرتك ده مش السواق بتاعك شوفى السواق فين علشان انا اتأخرت على الكلية والنهاردة عندى امتحان مهم"
فأقتربت منها ميرا وهى تستعد للخروج معهم قائلة: السواق عيان النهاردة فانا هاجى معاكى وهو بيوصلك ويودينى النادى وبعد كده يرجع ياخدك من الكلية تانى مفيهاش مشكلة يعنى"
كست ملامح الغضب وجه ثراء من حديث ميرا فأشارت الى شهاب:
—" عندك اخوكى خليه يوصلك يا ميرا"
هب شهاب واقفاً مكانه يستعد هو الآخر للذهاب إلى عمله يغلق ازرار بذلته الأنيقة يردف بتعجل:
—:" انا مش فاضى عندى شغل كتير النهاردة واجتماعات مش فاضى للتفاهات دى وايه يعنى لو وصلها يا ثراء هو لازمته ايه هنا فى البيت غير انه ينفذ اللى بيتقاله "
خرج شهاب من المنزل يتبعه والده أيضاً ظل أيسر ينقل بصره من ثراء الى ميرا اللواتى ربما يعتبرونه متاع يتشاجرون عليه زفر بضيق قائلا:
– انسة ثراء انا هستنى برا جنب العربية على ما حضرتك انتى وهى تتفقوا على قرار
إلا انه انتبه على صوت ثراء تهتف به قائلة:
—:" يلا يا أيسر خلينا نمشى كفاية تضيع وقت عايزة ألحق امتحانى"
حاولت ان تنهى هذا النقاش فهى لديها اختبار هام بالكلية وتريد ان تذهب سريعاً الا انها وجدت ميرا تسبقها إلى سيارتها فهى تعلم انها لن تكف عن تلك التصرفات المزعجة فأقتربت ثراء منها قليلاً قائلة:
—" دا اسمه ايه بقى على الصبح يا ميرا انا مش فاضية لدلعك الفارغ ده قولتلك عندى امتحان ومش عايزة اتأخر"
فتحت ميرا باب السيارة تتخذ مقعدها بجوار أيسر تنظر لثراء من نافذة السيارة
—" اركبى يا ثراء علشان تلحقى امتحانك وقولتلك أيسر هيوصلك وبعدين هيودينى النادى ويرجعلك تانى بسرعة بقى مضيعيش وقتك"
ابتعدت ثراء عن السيارة أشارت لأيسر بالاقتراب حتى لا تستمع ميرا لما تقوله فنظرت اليه قائلة:
_ هو انت مقولتلهاش ليه انك مش فاضى توديها النادى
– انتى حضرتك عارفة مليش ان أرفض كلام لاسيادى
قالها أيسر حانقاً فهو لم يعمل هنا الا بسبب إصرار
جمال على ان يعمل حارس لابنته فربما هو الوحيد فى هذا المنزل الذى يشعر تجاهه بالاحترام
ضمت ثراء ذراعيها الى صدرها قائلة:
– أيسر انت زعلت من كلام شهاب على اللى قاله عارفة انك اضايقت من كلامه بس هو شهاب طبيعته كده
وضع أيسر يده بجيبه يجز علي انيابه بحدة قائلا:
– أنسة ثراء انا مستحمل ابن عمك ده بالعافية علشان بس خاطر باباكى ومامتك وخاطرك انتى كمان غير كده انا كنت سيبت الشغل ده من أول يوم بسبب غروره ده اللى يجيب المرض انا لدلوقتى ماسك نفسى واعصابى علشان متهورش وللعلم مش انا اللى بحب اسمع الإهانات من حد واسكتله ولحد دلوقتى موريتهوش تربية الحوارى ممكن تعمل إيه
اخرجت ثراء قطعة شيكولاتة من حقيبتها تقضمها قائلة:
– طب طالما انت كده سيبت ميرا تيجى معانا فى العربية ليه وهتروح توديها النادى ماهى كمان زى أخوها
اشار ايسر لها بالصعود الى السيارة قائلا:
– يلا علشان تروحى كليتك وتلحقى امتحانك ومتجبيش الذنب عليا لو أتاخرتى وبطلى أكل شيكولاتة علشان متتعبيش وانتى ممنوعة من أكلها أساساً علشان الحساسية وان كان على الانسة ميرا فهى الصراحة تهون كتير عن اخوها شهاب على الأقل هى مبتتعاملش معايا بقلة ذوق ولطيفة فى كلامها
اخذ ما تبقى من قطعة الشيكولاتة يضعها فى فمه يبتسم على ملامح وجهها الضجرة ففتحت ثراء الباب الخلفى للسيارة وهى تشعر بشياطين العالم أجمع تتراقص أمام عيناها جلست فى المقعد الخلفى لتلتقى عيناها بعينى أيسر فى مرآة السيارة لتهتف بغضب:
—"مش يلا بينا ولا إيه يا أيسر ولا هتضيعوا عليا الامتحان كمان"
—" حاضر يا آنسة ثراء"
قالها أيسر وأومأ برأسه إحتراماً لها لينطلق بعد ذلك بالسيارة فى طريقه الى جامعتها، تلتفت اليه ميرا من الحين للأخر بابتسامة فهى حققت ما تريد ، أما ثراء فظلت طوال الطريق تستذكر دروسها حتى تصل إلى وجهتها او ربما حتى لا ترى ميوعة ميرا فى الحديث مع أيسر اعلن هاتفها عن وصول رسالة من رقم مجهول اخذت فى قراءتها بصوت منخفض:
– صباح الخير عليكى يا حلوة على فكرة لبسك النهاردة شيك أوى مفاجأتى هتوصلك قريب وأتمنى تعجبك
عقدت ثراء حاجبيها من محتوى تلك الرسالة فشعرت بالقلق وجدت نفسها تنظر تلقائيا لأيسر فى المرآة بخوف لاحظه هو فأردف قائلا
– مالك يا أنسة ثراء
ناولته ثراء هاتفها فقرأ هو أيضاً محتوى الرسالة وميرا جالسة لاتفقه شئ مما يدور فقالت:
– فى ايه مالكم
رد أيسر قائلا:
– مفيش حاجة بس أنسة ثراء ممكن تكون رسالة وصلت بالغلط مش علشانك متقلقيش
حاول طمأنتها الا انه علم انها مازالت تشعر بالقلق فهى بدأت فى فرك يدها بتوتر ونظراتها ظلت تدور فى كل مكان بالسيارة وهى تتمنى حقا ان تكون تلك الرسالة وصلت إليها عن طريق الخطأ وليست هى المقصودة..!!!
—————
فى منزل فى أحد الأحياء السكنية الشعبية
فتحت ضحى عيناها ببطئ لتجد نفسها قد غفت على كتبها الموضوعة بجانب ماكينة الحياكة الخاصة بها لتنظر إلى هاتفها لتتسع حدقتيها فهى يجب ان تسرع فى الذهاب إلى جامعتها لتشهق بصوت منزعج:
—:" يا خبر ابيض الامتحان انا كده يادوب الحق"
هرولت مسرعة الى الحمام وبعد الانتهاء ذهبت إلى غرفتها ارتدت ملابسها ولملمت أغراضها ووضعت ذلك الثوب الذى انتهت من حياكته منذ يومين فى حقيبة لتخرج من فهى تدرس
بالجامعة الامريكية بمنحة دراسية نظير تفوقها الدراسى ولكن عندما همت بفتح باب الشقة سمعت صوت زوجة أبيها المدعوة فايزة
—:" مالك خارجة تجرى كده ليه يا شملولة"
نفخت ضحى بضيق قبل ان تلتف إليها بابتسامة مقتضبة قائلة:
_" صباح الخير يا مرات أبويا خير فى حاجة على الصبح ورايا امتحان ضرورى"
مصمصت فايزة شفتيها من كلام تلك الفتاة تضع يدها بخصرها تردف بسخرية:
—:" يعنى راحة تفتحى عكة يا اختى براحة على نفسك كده شوية المهم فلوس الفستان اللى عملتيه ده توصلنى"
عقدت ضحى ذراعيها امام صدرها تنظر اليها بتحدى ظاهر فهى ليست مجبرة على سماع كلامها، وزوجة أبيها ليس لديها الحق فى سلبها أموالها التى تتقاضها على حياكة تلك الاثواب
—" ليه بقى ان شاء الله اديكى الفلوس دا تعبى انا عايزة تاخديه على الجاهز مش هيحصل وحطى فى دماغك كده"
فتحت ضحى باب الشقة لتخرج وتغلقه خلفها بشدة يحدث صوتاً عالياً من صوت صرير الباب الشبه متهالك لتجلس فايزة على الأريكة تنقر الأرض بقدمها بغيظ تنتظر خروج زوجها من الغرفة لتبث فى أذنه بعض من سمومها بشأن أبنته، خرج رجل من الغرفة بملامح متهدلة وأكتاف احناها الزمن يجر قدميه قسراً كأنه يحمل أطنانا على كتفيه يردف ببحة صوت متعبة:
—"صباح الخير يا فايزة مالك قاعدة ليه كده فين الفطار"
وقفت فايزة مواجهة له تضع يديها بخصرها تهز قدميها بعصبية تتحدث بنبرة صوت عالية:
—" انت شوفلك حل فى بنتك دى يا منير دى قليلة الأدب ومبتسمعش الكلام وبترد عليا"
نظر إليها منير بتعب فتجاوزها ليجلس فقدمه لا تتحمل الوقوف كثيراً فجلس يزفر بارهاق قائلاً:
_ " هى عملتلك ايه يا فايزة مش هنخلص من الموال ده بقى كل شوية بنتك بنتك متنسيش ان ضحى هى اللى بتساعد فى المصاريف بتاعة البيت جمب معاشى فبلاش تزهقيها البنت بتذاكر وبتفصل هدوم وياحبة عينى مش ملاحقة ياريت كان فيا صحة كنت قدرت اشتغل واساعدها"
ظلت فايزة تلوى شفتيها يميناً ويساراً وهى تنظر لزوجها من رأسه لاخمص قدميه باستخفاف تردف بسخرية:
—:" تشتغل هو أنت فيك حيل تقف علشان تشتغل أنت خلاص يا حبيبى راحت عليك لاشغل ولا يحزنون"
رفع اليها عيناه التى ارتسم الحزن بداخلها يعلم تلميحها المبطن واللاذع إلا انه أبى ان يظهر ضعفه كرجل أمامها فأردف بحدة:
_"تقصدى إيه بكلامك ده يا فايزة ها امشى حضريلى الفطار بسرعة"
رفعت حاجبها تناظره بسخرية قبل ان تذهب لاعداد الإفطار بينما اغلق منير عينيه بتعب فهو الآن مصاب بأمراض تعجزه عن العمل وربما تعجزه عن القيام بأى شئ، لا يملك الآن سوى ان ينتظر قضاء الله له ولكنه يخشى على أبنته من المصير الذي ستلقاه بعد أن يفارق هذه الحياة فظل يدعو الله ان يطمئنه على ابنته قبل ان ينفذ به قضاءه..!!!
______
أمام الجامعة..وقف ذلك الرجل ينفث دخان سيجارته بضيق فهو ينتظر منذ قرابة الساعة حتى تصل تلك الفتاة فهو تلقى أوامر باتباعها اينما تذهب ألقى المتبقى من سيجارته على الأرض يدعسها بطرف حذاءه ينفخ بضيق قائلا:
– وبعدين فى الوقفة دى بقى و الشغلانة اللى تجيب الشلل دى
فتح هاتفه يتأمل صورة تلك الفتاة المكلف بمراقبتها ينظر إليها بإعجاب قائلا:
– الصراحة انتى حلوة أوى ياللى اسمك ثراء انتى وتستاهلى الواحد يستناكى بس يا خسارة انا مش براقبك علشان خاطرى انا دا علشان البوص أمر بكده انا مش عارف إيه الطار اللى بينه وبينك وحالف ما يسيبك الا لما يخطفك كأنك قتلاله قتيل
سمع رنين هاتفه فتح الهاتف قائلا
– ايوة انا واقف مستنيها اهو قدام الجامعة كله هيبقى تمام بس لازم تكلم البوص يزودلى الفلوس على وقفتى دى كلها ومراقبتها انا واقف بقالى ساعة لحد ما رجلى وجعتنى
وصلت ثراء إلى كليتها ترجلت من السيارة سمعت صوت..!!!!
.........
يتبع ...!!!!!!!!؛
لقراءة الفصل الثاني اضغطوا هناااااا