ليل ياعين التالته والرابعه بقلم رضوي جاويش

 

ليل ياعين

التالته والرابعه

بقلم رضوي جاويش 

٣- امل مفقود 


أصبحت بداخل بيت صخري مبني في أحضان الجبل يطل من بعد على بيوت قرية نوبية تسكن تلك الجزيرة التي قدموا اليها بالقوارب الشراعية التي كانت تنتظرهم .. أُلقي بها في قاع احد القوارب الشراعية فانكمشت وهي تتطلع لرئيسهم المدعو ليل ممدد على احد الجوانب في حرص وعناية .. يتابعه احدهم كل دقيقة مطمئنا على حاله حتى حملوه على نقالة الى ذاك البيت وهي معهم بدورها لا يمكنها الاعتراض تضم حقيبة النقود في تشبث ولا تجرؤ الا على الانصياع لأوامرهم حتى يقتادوهم لاختها وهذا كل ما كانت تطمع فيه .. ان ترى نجوى وتطمئن انها بخير وليكن ما يكون بعدها .. 

تكومت على نفسها بأحد الأركان داخل تلك الحجرة تاركة لهم محاولة علاج إصابة سيدهم الأسود .. وهم تجاهلوها بدورهم وهم يتفحصون جرحه النازف.. 

هتف صاحبه الذي كان برفقته بالمعبد في قلق :- دِه محتاچ داكتور ضروري ..لو فضل ينزف كِده هيروح فيها ..  

هتف اخر كان ممن لحقوا بهم من خارج المعبد حيث كانوا ينتظرونهم بالخارج على تلك القوارب لتخليصهم من المدعو حداد :- هنچيبوا منين داكتور دلوجت يا چابر!؟.. .. 

هتفت عين الحياة بصوت متحشرج :- اناا ممكن.. 

هتف صاحبه المدعو جابر بلهجة نوبية في ضيق ظاهر:- هيلوليقا .. استغفرالله العظيم .. انتِ السبب ف حاله دِه .. يبجى نجطينا بسكاتك ..الراچل دمه هيتصفى.. 

نهضت عين الحياة من موضعها هاتفة في حزم لا تعلم من اين واتتها الشجاعة لإظهاره :- انا ممكن اساعد لأني دكتورة .. ده اللي انا عايزة أقوله من الصبح .. 

واتجهت الى حيث يرقد ليل ممددا وقد بدأ يهزي امرة في حزم :- لو سمحت نفذ اللي هقولك عليه وجيب اللى هطلبه بسرعة والا ريسكم ده ممكن فعلا يروح فيها .. 

هتف جابر في طاعة بعد ان علم بكونها طبيبة وقد أرسلها الله اليهم في الوقت المناسب :-  جولي انتِ عايزة ايه ولو كان لبن العصفور نچبهولك .. بس المهم يجوم منيها ..

طلبت ورقة وقلم وبدأت تخط بعض الطلبات ناولته إياها .. انتشل جابر الورقة واندفع خارجا لإحضارها على وجه السرعة بينما طلبت من الرجل الاخر الذي كان يقف منتظرا اوامرها بعض من الماء الفاتر وبعض المناشف النظيفة .. 

اندفع الرجل يحضر ما طلبت في عجالة .. 

تطلعت الى ذاك الممدد قبالتها بلا حول ولا قوة تتمنى ان يستفيق للحظة ليخبرها اين يأسر اختها الوحيدة لكنه ظل يهمهم غائبا عن الوعي .. 

مدت كفها حيث موضع اصابته ومزقت جزء من جلبابه الأسود لتستطيع تفحص الإصابة بشكل اكثر وضوحا ..

وصل راشد ذاك الرجل الذي أرسلته لاحضار الماء والمناشف ليضعهم امامها منتظرا اية تعليمات أخرى لكنها مدت كفها لمنشفة وبللتها بالماء وبدأت في تنظيف ما حول الجرح لاستيضاح عمق الإصابة .. زاد تململه وعلت همهماته نظرا لوجعه البادي على قسمات وجهه التي تغضنت في ضيق ..    

ظهر جابر لاهثا على اعتاب الحجرة التي تضمهم هاتفا في عجالة وهو يلتقط أنفاسه :- اهاا كل اللي طلبتيه يا داكتورة .. 

هتفت امرة :- لازم نقص له جلبيته دي .. هات مقص عشان مش هاننفع نحركه ..  

هتف جابر وراشد طائعين :- حلاً .. 

نهضت من موضعها جواره تاركة لهما المجال لقص جلبابه وكذا فك عمامته عن رأسه لتستلق على الوسادة بشكل اكثر راحة .. 

كانت عين تلتزم احد الأركان تتشاغل حتى ينتهوا وأخيرا هتف جابر وهو يجذب الغطاء على جسده المسجي حتى خصره تاركا جزءه الأعلى عاريا:-اتفضلي يا داكتورة .. 

تنحنحت في اضطراب وهى ترى جسده ممددا بهذا الشكل لكنها جلست وبدأت في حاولة استخراج الرصاصة وتطهير الجرح .. 

امرت راشد وجابر بإمساك كتفيه حتى لا ينتفض وهى تخرجها وما ان دفعت بها خارجا حتى اطلق صرخة مدوية شعرت انها زلزلت الجبل الذي يقلهما .. ضمدت الجرح بمساعدتهما ليلتف الشاش الطبي حول كتفه الأيسر وصدره .. 

اعطته بعض الآدوية اللازمة من خلال الحقن وهمست وهى تنهض متنهدة في راحة :- باذن الله هيبقى تمام .. بس لازم يتغذي كويس عشان يعوض الدم اللي نزفه ويستعيد صحته بسرعة .. 

هتف جابر مؤكدا :- هوصي على احسن اكل يخليه يجوم يرمح .. 

بينما هتف راشد متسائلا :- هو هيفوج امتى يا داكتورة !؟.. 

هتفت عين :- ف خلال كام ساعة باذن الله .. 

همس كلاهما :- باذن الله .. 

هتف جابر ممتنا :- احنا مش عارفين كنّا هنعملوا ايه من غيرك يا داكتورة .. دِه كن ربنا بعتك عشان تلحجيه .. 

همست مؤكدة :- انا برد له جميله ..لولاه لكنت انا اللي مكانه دلوقتي او يمكن كنت رحت فيها أصلا..

ساد الصمت وجابر يتطلع في محبة لجسد ليل الممدد لتهمس عين في تردد :- انا عايزة اعرف فين نجوى اختي !؟.. 

تطلع اليها جابر في تعجب متسائلا :- نچوى اختك..!؟.. ودي هنعرفوا مكانها كيف !؟.. 

هتفت متوجسة :- هي مش معاكم .. مش انتوا العصابة اللي خطفتها وطلبتوا فدية !؟.. 

هتف جابر مستعجبا :- لاه محصلش .. لا احنا بتوع خطف حريم !؟.. ولا طلبنا فدية من حد !؟.. ولا نعرفوا فينها اختك دي من أساسه !؟.. 

هتفت عين في صدمة :- امال هي فين !؟.. 

يا ترى حصل لها ايه دلوقتي !؟.. ده انا لو مسلمتهمش الفدية ممكن يعملوا فيها حاجة ..

توقفت صامتة لبرهة وأخيرا تحركت في تثاقل مترنحة قدماها تشبه الهلام .. جلست منهارة ارضا جوار حقيبة النقود التي تطلعت اليها في وجع للحظة قبل ان تشهق باكية في قلة حيلة لا تدرك اين اختها ولا ما عليها فعله الان وهي أسيرة بدورها لا تملك من امرها شيئا.. 

لم يعقب جابر بحرف وإنما همهم ببعض الكلمات التي لم تهتم لسماعها تاركا إياها موضعها ملقيا عليها نظرة مشفقة قبل ان يغادر الحجرة .. 

ساد صمت قاتل الا من همهمات المصاب المسجي هناك على الجانب الاخر من الغرفة .. وفجأة تذكرت امرا .. اين هاتفها !؟.. تساءلت في نفسها وهي تبحث عنه بين طيات ثيابها تارة وداخل الحقيبة تارة أخرى .. كانت متلهفة جدا لإيجاده لعلها تستطيع الوصول لاختها اوحتى يمكن لاختها الاتصال من جديد عندما أخلفت الميعاد المتفق ربما يحدد أفراد العصابة ميعاد اخر .. لكن كيف لها الذهاب وهي الأخرى مختطفة مع قوم لا تعلم شيئا عنهم الا انهم احدى عصابات التهريب !؟... 

فقدت الأمل في إيجاد الهاتف فتيقنت انه سقط منها اثناء الصراع الذي دار بالمعبد ..وفقدت الأمل كذلك في استطاعتها الوصول لاختها .. 

مما دفعها لتنكمش على نفسها متخذة الحقيبة كوسادة وضعت عليها رأسها واستمرت في البكاء والنحيب حتى غلبها النعاس ..

     

              *****************


٤- مزحة سخيفة 


اصطكت تلك الأحذية الميري ببعضها ضاربة الأرض بقوة عند دخول العقيد حسان المصري وبصحبته النقيب هشام صبحي مندفعين باتجاه مكتب الأول الذي هتف في حنق وهو يستدير ليجلس خلف مكتبه :- العملية باظت .. كنّا خلاص هنمسكهم متلبسين ونقفل القضية دي بقى .. 

هتف هشام في حنق مماثل :- هي البنت اللي ظهرت فجأة دي ودخلت مكان التسليم .. قلبت الموازين كلها وكانت سبب ف بوظان الليلة كلها.. 

هتف العقيد حسان وهو يناول هشام كيسا بلاستيكيا به هاتف ما :- اهو ده اللي ممكن يوصلنا للبنت دي لو كان بتاعها ووقع ف مكان التسليم .. 

تناول هشام ذاك الحرز هاتفا :- هجيب اسم مالك الخط بس يا رب يكون باسمها فعلا عشان نعرف مين الأخت دي وايه علاقتها بالموضوع ده .. 

هتف العقيد حسان :- طب ياللاه شد حيلك وربنا يسهل .. 

نهض هشام ملقيا التحية وغادر الى مكتبه وهو يتطلع الى ذاك الهاتف بداخل الكيس البلاستيكي الخاص بالأدلة غير منتبه لتلك التي اندفعت في اضطراب فاصطدمت به ليترنح كلاهما ويسقط الهاتف المغلف من يديه .. 

تمسك هو ببقايا اتزان حتى استطاع الصمود واقفا بينما سقطت هي ارضا متألمة جوار الهاتف الذي لم تعره انتباها .. 

انحني هشام متطلعا اليها في تساؤل :- انتِ كويسة يا آنسة !؟.. انا اسف انتِ اللي .. 

هتفت نجوى في غيظ :- انت هتسبني مرمية كده وتحكيلي قصة حياتك .. 

جز هشام على اسنانه في غيظ مماثل وهتف من بينها حانقا وهو يمد كفه لمساعدتها :- اتفضلي قومي .. 

وضعت كفها الرقيق بقلب كفه الضخم ونهضت تعدل من هندامها قبل ان تسأل في اضطراب وهي تتطلع حولها في تيه :- انا عايزة الظابط المسؤل هنا .. اقدر ألاقيه فين لو سمحت !؟.. 

هتف هشام في سخرية :- والله لو مش عاجبك خلقتي وشايفة اني منفعش ابقى ظابط .. ابعت اجيب لك واحد مخصوص على ذوق حضرتك ..

تطلعت نجوى اليه في لامبالاة لكلماته الساخرة وهتفت في نزق :- لا تنفع وآمري لله .. 

هتف هشام في حدة وهو ينحني يتناول الهاتف الذي كان لايزل ارضا :- ده انا اللي امري لله .. اتفضلي  .. 

وأشار اليها لتتبعه حتى حجرة مكتبه التي دفع بابها ودخل ليستقر خلف مكتبها يشبك أصابع كفيه فوق سطحه متنهدا في تعب وهو تجلس قبالته :- هااا.. خير .. ارغي .. 

هتفت نجوى محتدة :- ايه ارغي دي !؟.. هوانا جاية اتسامر معاك .. انا جاية ابلغ عن اختفاء اختي الكبيرة .. 

تطلع هشام اليها في إرهاق واضح :- طب تمام .. مرعلى غيابها أربعة وعشرين ساعة !؟.. 

هتفت مؤكدة :- المفروض هي وصلت أسوان امبارح الصبح واختفت ع الساعة خمسة المغرب بعد ما وصلت ابوسمبل .. انا عرفت المعلومات دي لما كلمت الفندق اللي كانت نازلة فيه فاسوان.. 

هتف هشام متثائبا يتمطأ في تعب يرجع جسده للخلف مسندا إياه على ظهر مقعده :- طب يبقى لسه مقدرش اعمل لك حاجة .. لسه مفتش يوم كامل على اختفائها .. دي لو كانت مختفية من أساسه .. 

هتفت نجوى منتفضة من موضعها في تحفز :- يعني ايه !؟.. هقعد كده معرفش عنها حاجة !؟..

هتف هشام باعين يغلبها النعاس :- للأسف اه .. لحد ما نتأكد انها مختفية بالفعل .. ساعتها ممكن نتصرف .. 

انفجرت نجوى في البكاء وجلست موضعها من جديد فانتفض مذعورا لنحييها الذي جعله يستفيق دفعة واحدة وهي تهتف بأحرف متلعثمة يختلط فيها الكلام بشهقات متتابعة :- انا السبب .. انا اللي كلمتها وعملت نفسي اتخطفت .. كنت بهزر معاها قلت اجبها تتفسح معايا بعيد عن الحمل اللي هي شيلاه بعد وفاة بابا الله يرحمه .. مكنش قصدي والله يحصل لها حاجة وحشة .. انا كان كل قصدي انها تخرج بعيد عن المشاكل واضطربت اعمل كده لاني عارفة انها مش هاترضي تيجي من نفسها فاخترعت الكدبة دي .. 

وتطلعت نحو هشام هامسة في براءة وبنبرة تحمل رجاءً لا يمكن رفضه :- انا عايزة عين .. عايزة اختي .. 

تنهد هشام وقد ادرك ان النوم قد ولى بلا رجعة وهتف في ضيق :- انتِ تهزري واحنا نشيل الهم هنا .. 

ومد كفه ليضغط على ذر مستدعيا عسكري الخدمة من الخارج والذي دخل في التو واللحظة ليأمره هاتفا :- روح هات كباية ليمون وفنجان قهوة سادة دوبل.. 

أدى العسكري التحية مندفعا لتنفيذ الامر وما ان هم بمد كفه ليدون بعض المعلومات عن عين حتى وقعت عيناه على الهاتف فأنار بعقله خاطر للحظة مما دفعه ليمسك بالهاتف المغلف مادا كفه به اليها هاتفا في تساؤل :- انت تعرفي الموبايل  !؟.. 

تطلعت نجوى للهاتف وهو تمسح الدمع عن عينيها لنستوضح معالمه من خلف غلافه ثم هتفت في لهفة :- ايوه .. ده موبيل عين اختي .. لقيتوه فين..!؟.. 

ضاقت عينى هشام يحاول الربط بين الاحداث وبعضها وهتف متسائلا من جديد :- ايه اللي جاب اختك لأبوسمبل !؟.. انتِ مش بتقولي كانت ف أسوان !؟..

هتفت نجوى تخبره التفاصيل :- انا بعت لها ورقة من العصابة الوهمية مكتوب فيها مكان اللقاء والساعة .. كنت عملالها مفاجاة ف فندق ابوسمبل ..بس معرفش مجتش ليه !؟.. 

هتف هشام مؤكدا :- مجتش عشان راحت معبد ابوسمبل بدل ما تروح الفندق .. 

وتنهد مستطردا :- للأسف يا آنسة .. اللعبة شكلها قلبت جد .. بس بدل ما تكوني انتِ المخطوفة .. اختك هي اللي اتخطفت .. 

انتفضت نجوى من جديد هاتفة في صدمة :- ايه!؟.. اكيد ده هزار .. اتخطفت ازاي يعني !؟.. 

هتف هشام مفسرا :- الميعاد والمكان اللي راحت فيهم كان هناك عصابتين بيتبادلوا بضاعة مهربة وهي افتكرت ان تجمعهم ده عشان يخدوا الفدية منها ويرجعوكِ .. 

شهقت نجوى منتحبة من جديد تجلس على مقعدها واضعة رأسها ما بين كفيها لا تعلم ما عليها فعله.. 

نهض من موضعه ليجلس على المقعد المقابل لها هامسا :- انا عارف الموقف صعب .. بس ان شاء الله خير .. 

دخل العسكري حاملا صينية المشروبات امره هشام ليضعها على الطاولة الصغيرة الفاصلة بينهما ليخرج مغلقا الباب خلفه .. 

مد هشام يده اليها بكوب الليمون هامسا :- اشربي وهدي اعصابك .. وان شاء الله هيخلص الموضوع على خير .. 

مدت كفها تتناول الكوب هامسة في اضطراب:- يخلص على خير ازاي !؟.. ده انت بتقول وقعت بين أيدين عصابة حقيقية .. يعني ممكن يعملوا فيها حاجة .. 

ووضعت الكوب على طرف المكتب بيد مرتعشة هامسة في توتر:- انا لوعين حصل لها حاجة انا عمري ما هسامح نفسي .. لا ده انا ممكن اروح فيها بجد لاني متخيلش أعيش من غيرها يوم واحد.. 

وانسابت الدموع على خديها من جديد ليهتف وهو يتطلع لمحياها الأكثر براءة على الاطلاق وكانه يخاطب طفلة في الخامسة من عمرها :- طب اشربي ومتقلقيش .. والله لهترجع صاغ سليم .. 

تطلعت اليه نجوى هامسة في تضرع :- يا رب يكون كلامك صح .. يا رب .. 

هتف مؤكدا :- لعله خير .. 

هزت نجوى رأسها إيجابا وهي ترتشف من كوبها لا تعلم هل فعلا ما حدث لأختها يمكن ان يكون خيرا !؟..ام ان ما حدث لعين الحياة شرا مستطيرا!؟.. 


               ***************

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

إرسال تعليق

أحدث أقدم