ليل ياعين الحادي عشر والاخير بقلم رضوي جاويش

 

ليل ياعين

الحادي عشر والاخير

بقلم رضوي جاويش 


١١- دفء 

قرر ليل بعد إلحاح من جابر المبيت في هذه المنطقة خلف التلة لان الرجال والبهائم في حاجة للراحة قليلا حتى يمكنهم استئناف الرحلة فجرا .. 

أضرمت النيران في ركوة حفرت بقلب الرمال وبدأ الجميع في الالتفاف حولها .. كان الجميع يتضور جوعا فقام بعض الرجال بتجهيز عنزة صغيرة للشواء على ركوة أخرى جانبية .. 

بينما عمل البعض الاخر على تجهيز مواضع النوم 

ووضع البعير بشكل يحميهم ليلا .. 

جلست عين الحياة على اطراف الدائرة حيث كانت التلة تقع خلفها تتابع ما يحدث في هدوء وداخلها سلام نفسي عجيب تتحاشى النظر تجاهه لا تعلم لما.. كان يروح ويجئ مع الرجال في همة ونشاط يحسد عليهما بعد عناء الرحلة الطويلة يقف يساعد الجميع ويعاونهم مقسما المهام بين الرجال في سلاسة .. 

ضمت معطفها حول جسدها فقد بدأ البرد يشتد مع دخول الليل وأحكمت غطاء رأسها ليمنحها مزيدا من الدفء .. 

اقترب منها فقد كان يراقبها خلسة دون ان تنتبه فاستشعر إحساسها بالبرد الذي يعلم ان وتيرته ستشد مع ساعات الليل الأخيرة واقترابه من الفجر لذا سحب كوفيته الصوفية واتجه نحوها هامسا وهو يمد يده بها :- خدي .. البرد لسه شدته مبدأتش وانت شكلك بردانة من دلوجت .. لساته الليل طويل .. خدي لفيها على رجبتك تدفيكِ شوية .. 

هزت رأسها رافضة متجاهلة النظر اليه هاتفة :- لا مفيش داعي .. انا كويسة ودفيانة الحمد لله .. 

تجاهل كل كلامها هاتفا في نبرة صارمة :- هفضل مادد يدي كِده كَتير .. 

رفعت ناظريها اليه في محاولة للرفض من جديد لكن ما ان تلاقت نظراتهما الا وأذعنت ومدت كفها تتناول الكوفية فقد كانت نظراته تحمل رفقا وحرصا يناقض تماما لهجته الخشنة تلك .. 

لفت الكوفية حول رقبتها ليندفع هو مبتعدا .. شعرت بدفء طاغ يحاصرها لا يمت بصلة للكوفية الصوفية ولكن له كل الصلة بصاحبها الذي انحنى يضع بعضا من لحم الشواء في صحن ويعود اليها من جديد مقدمه اليها هامسا :- بالهنا والشفا .. كلي عشان احنا مكلناش م الصبح .. وعشان تدفى كمان .. 

تناولت الصحن في طاعة وبدأت في إلتهام الطعام بشهية كبيرة فقد كانت جوعى بالفعل .. ما ان انتهت حتى تأكدت انه كان على حق فقد شعرت ان الدفء غزا اوصالها الباردة.. 

بدأ الرجال حول الركوة في صنع الشاي والتسامر.. طلبوا من احدهم في إلحاح العزف على مزماره وقد أطاع في رغبة حقيقية لإمتاعهم .. 

عزف عدة وصلات امتد صداها الشجي بطول الصحراء المترامية شرقا وغربا حتى انها استشعرت ان ساكني الصحراء من الجنيات قد اطربهن العزف فجئن يرقصن متمايلات .. 

وازدادت الروعة عندما شاركه احدهم الغناء شاديا في عذوبة بأحد المواويل الصعيدية :-

غايب بعيد بعيد عني والبعد طال واصل 

والشوج تعب تعب مني .. واصل يا زين .. واصل


قام احد الرجال يرقص متمايلا بعصاه وسط تهليل أصحابه والغناء يشتد طلاوة :-  

بعدت عني ليه .. وبعت حبي ليه .. 

وذنب جلبي ايه لما بتجسى عليه ..  

ايه كان چرى .. چرى مني .. ما كنت متواصل ..

والشوج تعب .. تعب مني ..واصل يا زين ..واصل


انهى الرجل وصلته ليندفع تجاه ليل ملقيا اليه العصا ليكمل وصلة الرقص مع تهليل الرجال واستحسانهم للإختيار .. 

ألتقط ليل العصى مبتسما ونهض وسط الدائرة وتطلعت اليه في لهفة تشاهد ما يفعل فاغرة فاها في دهشة وهى تراه يتمايل بعصاه بهذا الشكل الاحترافي وخطواته تنساب في عذوبة مع نغمات المزمار القوية التي تذيب الحجر وهو يضرب بعصاه الأرض ويقفز من جانب لأخر ملوحا بها في قوة والغناء مستمرا في حلاوة :- 

خاصم عنايا النوم .. وسهرت استناك .. 

لا چيت تواصل يوم ..ولا شفت راحة معاك .. 

يا غايب عني طمني ليه بينا ده حاصل .. 

والشوج تعب تعب مني .. واصل يا زين واصل .. 


راح احد الرجال يمسك بعصاه لينازل ليل على نغمات المزمار والشدو المستمر ليبدأ التحطيب دورا وراء الاخر .. كلما صرع رجلا نزل الاخر.. 

حتى كادت تنسى نفسها عندما هزمهم جميعا مصفقة في سعادة لكنها استعادت تعقلها باللحظة الأخيرة  وخاصة عندما انهى ليل السامر هاتفا في لهجة ودودة :- بكفايانا كِده يا رچالة .. خلونا ننام لنا ساعتين جبل الفچر عشان نوصلوا جبل الشمش ما تشد .. 

أطاع الرجال دون مناقشة ونهض الجميع كل الى حيث ضبط موضع نومه .. 

جلست هي موضعها لا تدرى الى اين تذهب فقد كانت المرأة الوحيدة بالقافلة كلها .. 

لم يطل انتظارها فقد جاء ليل اليها حاملا بساط  هامسا :- اتفضلي معاي يا داكتورة ادلك على مكان نومتك .. 

قامت تسير خلفه في صمت لتجده يفرد ذاك البساط في منطقة ما بين جرف التلة المعسكرين خلفها وما بين جسد البعير الذي كان يحملها صباحا .. 

أشار للبساط هامسا :- هنا هترتاحي وتبجي مدارية اكتر بَعيد عن نومة الرچالة .. ولو احتچتي حاچة.. اني نايم جريب .. تصبحي على خير .. 

تركها مندفعا الي فراشه المممدد بالقرب يفصل بينها وبين فرش الرجال .. شعرت بالراحة والأمان انه بالقرب رغم شعورها بالاضطراب .. وتعجبت لما يكتنفها هذا الشعور الان وهي التي كانت تبيت ليلها كله جواره بحجرة واحدة !؟.. 

تمددت موضعها وألقت نظرة مختلسة اليه لتجده قد تمدد بدوره يشد عباءته الصوفية حول جسده إتقاءً للبرد ملقيا احد اكفه على صدره وملقياً ساعده  فوق جبينه .. 

حادت بناظريها عنه متطلعة للسماء فوقها كانت قمة في الجمال بتلك الزرقة الخلابة وانجمها الكثر والتي كانت تبرق في تتابع كأنما تنادي احداهما الأخرى شاعرة بالأنس .. لم تر السماء يوما بهذه الروعة فتنهدت في صفاء نفس ورفعت ذراعها لأعلى تشير بأصبعها تصنع خطا للسير بين كل نجمة تضئ وأختها  حتى كل ذراعها فاخفضته وتنهدت في سعادة وبدأ النعاس يداعب عيونها فراحت في سبات عميق وهي لا تدرك ان هناك اعين قد جافاها النوم تتطلع اليها من طرف خفي متتبعة كل شاردة وواردة تقوم بها حتى اذا ما هدأت تنهد هو في راحة بدوره مبتسما لأفعالها الطفولية محاولا ان يحيد اللحظ عنها حتى يتسنى له ان يسكن غافيا .. 

              *************

وجدت نفسها تقف فوق ربوة عالية وكذلك ليل على ربوة أخرى مقابلة .. كلاهما ينادي الاخر ورغم ان كل منهما يرى صاحبه لكنه كان يناديه وكأنه لا يبصر موضعه .. هو يناديها متلفتا حوله وهي تجيبه لكنه لا يدرك اين تكون وكذلك هي .. 

ظل الحال على هذا الوضع حتى سمعت صوت جابر يهتف بين ربوتيهما بنهاية قصته التي حكاها لهما يوما " وفضلوا تايهين من بعضهم .. هيا تنادي يا ليل وهو ينادي يا عين .. لا هو لاجيها ولا هي لجياه .. وچمعناهم ف الأغاني والمواويل .".. 

انتفضت تتطلع حولها وهى تشعر ان حلقها جاف وكأنها كانت تركض لأميال دون ان  تتوقف .. 

تطلعت لمكان رقاده لتجده شاغرا .. جالت بناظريها بحثا عنه لتبصر خياله على ضوء نيران الركوة التي بدأت تخبو قليلا خارج دائرة الرجال الذين كانوا راقدين على حالهم .. كان يسلم لإنهاء صلاته .. فازداد وجيب خافقها وهو يقترب وتذكرت حلمها الغريب الذي يشوش مخيلتها حتى اللحظة .. 

فجأة شعرت بحركة عجيبة اسفل بساطها الذي تتمدد عليه ..فانتفضت في ذعر لتصطدم بصدره فقد كان عائدا لفرشته التي تجاورها .. 

همست في ذعر :- في حاجة بتتحرك تحت الفرشة.. 

كانت تلتصق بصدره في فزع حقيقي ليهمس بها مطمئنا :- طب اهدي متخافيش .. اني هشوف .. 

حاول ان يبتعد للحظة ليستطلع الامر لكنها كانت تتشبث به في ذعر مرتجفة وذكرى الحلم يشوشها ولكن ما زاد الامر سوءا هو وظهورافعي صغيرة الحجم مندفعة من تحت فرشتها مبتعدة .. 

شهقت في صدمة عند رؤيتها للافعي الهاربة ملتصقة به وهو يهمس مطمئنا :- دي الطريشة .. ام چنيب .. متخافيش مبتأذيش الا لما تحس بالخطر..

انفجرت باكية لا تعلم ماذا دهاها !؟.. يبدو ان ذاك الحلم المقبض وظهور الافعي بعدها قد زاد من تشوشها لتصبح بتلك الهشاشة التي تبدو عليها اللحظة وهي تتكئ على صدره بهذا الشكل المتطلب للحماية بينما ظل هو يقف متخشبا لا يحرك ساكنا كفاه بمحازاة جسده وقد تركها تفرغ ما بجعبتها من مشاعر مضطربة قبل ان يهمس بصوت متحشرج :- خلاص .. اهدي .. انا هنادم ع الرچالة .. الفچر اهاا طلع .. خلونا نمشوا.. 

ابتعدت عنه في اضطراب تستشعر حمق ما قامت به لا تقو على رفع ناظريها لتواجهه وهو لم ينتظر للحظة بعد ابتعادها بل اندفع يوقظ الرجال لاستئناف المسير الى مجهول لا تعلم عنه شيئا ..


                *************

١٢- حل ثالث 


بضع طرقات على باب الغرفة ثم انفرج بابها عن محياه مهللا في مودة :- حمدالله ع السلامة .. 

هتفت نجوى في  سعادة لمرأى هشام موجهة حديثها لأمها التي تحسنت حالتها وانتقلت لغرفة عادية :- حضرة النقيب هشام يا ماما .. ده اللي ماسك موضوع عين ف أسوان .. 

هتفت أمها في لوعة :- صحيح يا بني هي بخير !؟.

نجوى قالت لي انها كويسة .. 

اكد هشام في اضطراب ونظراته حائرة بينها وبين نجوى التي اشارت اليه بلحظ خفي ان يؤكد على كلامها فأطاع هاتفا :- اه طبعا .. هي بخير متقلقيش.. بس هي مسألة وقت وهتكون معاكِ هنا باذن الله .. 

هتفت نجوى مؤكدة في مرح :- شوفتي يا ستي اهو حضرة الظابط قالك انها بخير .. كان لازم تسمعيها منه يعني وانا كلامي ملوش لازمة .. 

ابتسم هشام مؤكدا :- لا طبعا ازاي يا آنسة نجوى.. كلامك ع العين والراس .. بس الظاهر ان الوالدة يهمها الكلام يبقى ميري .. 

هتفت نجوى في مزاح تحاول إلهاء أمها عن السؤال مرة أخرى عن عين مشيرة بتحية عسكرية صارمة :- تمام يا فندم .. 

قهقهت أمها على أفعال أبنتها بينما اتسعت ابتسامة هشام وهو يتطلع اليها في محبة لا يرغب في مفارقتها لكن يجب عليه العودة لأسوان فإجازته شارفت على الانتهاء .. ربما عند عودته يستطيع ان يصل لموضع عين الحياة وينهي تلك القضية قبل ان يضع النقاط على الأحرف فيما يخص حياتهما .. 

                ***************

وصلا أخيرا لتلك القرية التي تتشابه دورها حجما ولونا .. فقد كانت كلها على هيئة مبان من طابق واحد بيضاء اللون تعلوها القباب .. 

كلها تقريبا محفورة داخل جدران الجبل الذي تعتليه مشرفة على النيل  .. 

أشار لها لتتبعه بعد مشاورة مع بعض الرجال .. 

تبعته في صمت تشعر بالتعب والأعياء والرغبة في الحصول على حمام دافئ والخلود للنوم ربما لأيام .. ولم يكن هو باقل رغبة منها في ذلك .. لكن مهامه التي جاء من اجلها لا تترك له فرصة للراحة .. 

دخل الى الدار التي اختارها بعناية كما سابقتها في قرية جابر النوبية .. دار متطرفة ومنعزلة بعض الشئ عن باقي الدور .. 

أشار لأحدى الحجرات هامسا في إرهاق :- دي اوضتك يا داكتورة .. شوفيها لو ناجصها حاچة جولي .. 

همست هي في حرج :- طب انا عايزة اخد حمام .. بعد العاصفة والنوم ع الرمل و.. 

هز رأسه المنكس متفهما وهمس :- ايوه طبعا .. معلوم يا داكتورة .. هخليهم يحضروا لك الحمام .. 

ادخلي ارتاحي .. ولما يچهز هنادمك .. 

همست شاكرة واندفعت لحجرتها .. كانت حجرة بسيطة تحوي فراش صغير لكنه نظيف عليه العديد من الاغطية وطاولة صغيرة ومصباحان على كل جانب بالغرفة داخل كوة بالحائط ..  

جلست على طرف الفراش لا ترغب في تلويثه بما علق بها من رمال او ما شابه تمني نفسها بنوم عميق تعوض به ساعات السهاد لليلتين ماضيتين .. 

طرقات على الباب انبأتها ان الحمام قد تم تجهيزه بكل ما يلزم .. 

نهضت في عجالة تسير في الاتجاه الذي اشارت اليه احدى النسوة .. هزت عين رأسها في امتنان فتركتها المرأة وانصرفت .. 

همت عين بدخول الحمام لكنها وجدت ان الفرصة سانحة تمام لتدرك ما تحويه كل هذه الصناديق التي كانوا يحملونها على طول الطريق وكانت بالدار الأخرى يضعون علي كل باب حارس لا يغادره.. 

اما هنا .. فلم تجد أي من الحراس فقررت المجازفة لتعرف محتوى الصناديق التي يتم تهريبها .. 

تسللت في بطء نحو احدى الغرف التي رأت الرجال عند وصولهم يضعون بها حمولتهم الثمينة وفتحت بابها في حذّر ودخلت تحاول تلمس طريقها حتى اصطدمت قدمها بحافة صندوق ما كان موضوع جانبا .. تأوهت بصوت مكتوم وتغلبت على وجعها وقد ارتفع فضولها لمستوى عالِ وهي تنحني عابثة بقفل الصندوق الذي عالجته قليلا حتى فُتح .. مدت كفها لمحتوياته فلم يكن هناك الا بعض القش .. مدت يدها في خوف مما قد يكون مدفونا به فاصطدمت كفها بجسد املس .. 

كادت ان تخرج يدها ذعرا الا انها تشجعت تتحسس باقي الجسد الأملس جاذبة إياه خارج القش 

لتشهق في صدمة وهي تمسك بذاك التمثال الفرعوني بين يديها .. 

تمالكت أعصابها ومدت كفها من جديد تزيح القش في عجالة لتكتشف عدد من التماثيل الفرعونية المتعددة الأحجام والأشكال .. 

اذن فهو يقوم بتهريب ثروة بلاده والاتجار بها .. 

كانت تعلم انه مهرب لكن لم يكن يخطر ببالها ان تكون تجارته هي تهريب اثارالبلد وخيرها .. 

امسكت تمثال بكل كف واندفعت خارج الحجرة 

ليتفاجأ كل منهما برؤية الاخر فشهق كلاهما في صدمة كان سببها مختلف لكلاهما .. 

كان ليل قد انهى حمامه لتوه خارجا لا يستره الا منشفة حول خاصرته يسير بها في أريحية تجاه غرفته معتقدا انها بدورها تأخذ حماما على الجانب الاخر من الدار وتفاجأ عندما وجدها تخرج من الغرفة التي حفظ بها صناديق البضاعة حاملة بعضها بيدها .. 

تجاسرت عين على مظهره الشبه عار متجاهلة إياه وهي تتقدم نحوه حاملة التمثالين بين كفيها هاتفة في غضب مكتوم :- ايه ده يا ليل بيه !؟.. 

هتف ليل ساخرا :- هيكون ايه يعني !؟.. انتِ شايفة ايه !؟.. تماثيل فرعوني .. مساخيط كيف ما بنجولها .. 

هتفت في غضب لازال مكتوما :- كنت أتوقع تتاجر ف أي حاجة الا ده .. 

هتف ليل بنفس النبرة الساخرة :- محسساني يا داكتورة اننا اتجابلنا على عرفات .. ما انتِ عارفة م الأول اني بهرب بضاعة .. ايه تفرج بضاعة عن التانية !؟.. 

هتف في ثورة :- تفرق كتير .. ده تاريخ بلدك .. ازاي تبيعه كده بالساهل !؟.. 

هتف في لامبالاة :- متكبريهاش جوي كِده .. دول اسميهم لچية .. حاچة لجيناها ف الأرض وبنبعوها للي يشتري .. وبعدين انتِ محموجة جوي على شوية التماثيل اللي بنبيعهم .. ما البني أدمين دلوجت بيتباعوا .. وعادي .. 

دخل  جابر في تلك اللحظة ليكتشف ما حدث ليهتف به ليل في غضب هادر :- اني مش جلت تحط راچل يوجف على كل اوضة !؟.. محصلش ليه !؟.. 

هتف جابر معللا :- الرچالة كانوا بيفطروا وانتوا جلتوا انها ف الحمام وهطول .. 

ومال على ليل هامسا :- ايه العمل دلوجت يا بيه !؟

دي عرفت كل حاچة !؟.. 

هتفت عين في غضب :- عرفت وهبلغ البوليس كمان .. 

أشار ليل لجابر بالمغادرة وما ان خرج طائعا حتى اقترب منها ليل في استمتاع لتتقهقر هي حتى اصطدمت بمقعد خلفها اجبرها لتسقط جالسة عليه وهي لاتزل تحمل التمثالين بيدها لينحني ليل نحوها مستندا بكلتا كفيه على يدي المقعد هامسا وهو يتطلع لعينيها في مشاكسة :- جدامك حل من اتنين يا داكتورة .. يا تموتي .. يا تسكتي .. تحبي ايه !؟.. 

همت بان تنطق الا انه وضع سبابته على شفتيها هامسا في تحذير :- لاااه .. متجاوبيش دلوجت .. خدي وجتك يا داكتورة .. 

واقترب اكثر لتبتعد ملصقة ظهرها بظهر المقعد الذي تشغله وهو يهمس مقتربا من مسامعها :- وفيه حل تالت بس نخليه بعدين .. 

وغمز بإحدى عينيه في عبث فاضطربت لقربه بهذا الشكل الحميمي وما ان هم بالابتعاد حتى عاد يهمس من جديد :- اه بالمناسبة .. تعرفي تماثيل ايه اللي انت شيلاها دي  !؟..اجولك اني ..  

أشار لأحدهما هامسا في نبرة ماجنة جمدتها حرفيا عن النطق :- دِه بيجولوا انه اله المحبة عند الفراعنة اسميه .. (باسيت).. والتاني دِه اسميه  (حتحور) يبجى اله الإخصاب والأمومة .. 

رفعت ناظريها اليه ليتطلع الى عمق عينيها في مجون مستمتعا قبل ان ينتصب واقفا واستدار راحلا وهو يشير لها امرا :- رچعني اللي ف يدك دوول يا داكتورة دي حاچات ناس .. وادخلي فوچي وخدي حمامك ومتنسيش .. فكري هتختاري ايه .. 

واغلق باب حجرته خلفه تاركا إياها تتطلع للتماثيل الفرعونية التي تحملها لتنهض تعيدهما موضعهما مغلقة باب الحجرة خلفها واتجهت للحمام في آلية تحاول ان تستنتج ما هو الحل الثالث الذي يخفيه عنها .. ربما عليها اختياره .. فهي لا تريد الموت بالتأكيد وكذلك لن تقف مكتوفة الأيدي امام ما تره يحدث من تبديد لثروة البلاد .. 

لكن تراه ما هو ذاك الحل !؟.. لديها فضول لتعرف لكن تتمنى الا يكون ذاك الفضول نفسه الذي قتل القطة .. 

              

             **************

١٣- مفتاح الحياة 


شعرت بحركة غريبة داخل الدار وخارجه .. كان الوقت قد اقترب على الفجر وسمعت أصوات جلبة بالخارج فاستشعرت ان هناك امر ما يحاك .. 

واربت باب حجرتها قليلا متطلعة لتلك الحركة الدؤوب التي تحدث والرجال يتحركون في نشاط هنا وهناك لتتأكد ان ليل على موعد مع تسليم هذه البضاعة التي يحفظ .. 

استشعرت الخطر وانقباضا غريبا بصدرها ولا تعلم لما تذكرت حلمها الذي رأته اول امس .. 

فتحت الباب فجأة ليتوقف الرجال لثوان عن عملهم لكن ليل الذي كان يقف في احد الأركان البعيدة عن مجال رؤيتها فهتف امرا :- وجفتوا ليه !؟.. هموا ياللاه مفيش وجت .. 

تحركت باتجاهه وتوقفت ليتطلع اليها مستفسرًا :- خير يا داكتورة !؟.. ايه اللي خرچك من اوضتك الساعة دي !؟.. 

همست عين متطلعة الي عمق عينيه :- على فكرة.. انا فكرت واخترت .. 

تنبه لها تلك اللحظة وقد زم ما بين حاجبيه منتظرا سماع اختيارها لتهمس هي في ثبات :- اخترت الحل الثالث .. انا مش عايزة اموت ولا هقدر اسكت ع اللي بيحصل ده .. يبقى اكيد الحل الثالث حل وسط بين الحلين دول .. 

ابتسم ليل ابتسامة مبهمة لم تستطع تفسير مغزاها وهمس مقتربا منها :- لو رچعت بالسلامة .. هاتعرفي ايه هو الحل الثالث اللي انت اخترتيه من غير ما تعرفي أصلا ايه هو .. 

تطلعت اليه في ذعر عندما نطق كلمة .. "لو رچعت بالسلامة " وهمست وهو يهم بالخروج خلف الرجال الذين انهوا مهمتهم :- ليل .. 

توقف فقد كانت المرة الأولى التي تناديه بإسمه مجردا واستطردت وعيونها متعلقة بمحياه :- بلاش.. 

همس بصوت متحشرج وقد خطفت نظراتها تلك قلبه كليا :- بلاش ايه !؟.. 

همست وهي تزدرد ريقها في صعوبة تستشعر ألما مجهولا بصدرها :- بلاش تروح المشوار اللي انت رايحة ده .. عشان خاطري بلاش .. 

ابتسم محاولا مداراة تأثره بها هامسا :- خاطرك على عيني يا داكتورة .. بس ماينفعشي .. لما ارچع نبجى نتكلم .. 

هم بالخروج لتعترض طريقه في جرأة هي نفسها تعجبتها هامسة :- ولو لا قدر الله مرجعتش ..!؟.. 

تطلع اليها لبرهة في صمت قبل ان ينطق بصوت تغلب عليه نبرة المودع :- يبجى نصيبنا يا داكتورة.. والحمد لله على كل حال .. 

دمعت عيناها غير قادرة على النطق بحرف فقد ادركت تماما انها لن تستطيع إثنائه عن عزمه ليهمس ليل مبتسما بعد ان تشرب ملامحها وقسمات وجهها الصبوح  :- ممكن بجى تعديني .. الرچالة مستنيانى بره واحنا اتأخرنا بچد .. 

تنحت جانبا ليتحرك هو مندفعا للخارج الا انه توقف على عتبة الباب الخارجية وعاد ادراجه لموضع وقوفها المضطرب هناك حيث كانت نظراتها معلقة به في امل ورغبة تعلم تماما انها لن تتحقق .. 

توقف قبالتها واخرج من جيب جلبابه سلسال فضي يتدلى منه رمز مفتاح الحياة الفرعوني .. مد كفه واضعا إياه حول جيدها هامسا :- هدية مش مجامكِ.. بس حاچة على كدي .. 

تطلعت للقلادة المعلقة برقبتها وأمسكت مفتاح الحياة الفضي بكفها هامسة :- جميل قوي.. 

رفعت ناظريها اليه هامسة وهي تهم بخلعه :- بس انا مقدرش اخد.. 

اخفض كفيها التي كانت تذيبه حرفيا ما ان يتطلع لهذه الوسوم على ظهرها بالحناء والتي رفعتها تهم بخلع القلادة هامسا في تأكيد :- دِه مش م البضاعة يا داكتورة .. دِه تجليد .. عارف انك مش هتجبلي تاخديه لو اصلي.. 

اني عارف انك بتعتبري اللي بنعملوه دِه سرجة واني مش ممكن اهاديكِ حاچة مسروجة .. 

اخفضت كفيها ولم تعقب ليندفع هو من جديد للخارج واستدار قليلا هاتفا :- افتكرينى بالخير يا داكتورة .. سلام عليكم .. 

خرج تاركا إياها تتطلع لموضع رحيله تستشعر ان شيء ما هاهنا بصدرها قد فُقد لغيابه ورحل مغادرها لرحيله .. شيء ما لا سلطان لها عليه ولا تستطيع توجيهه فيما يحب او يكره .. 

شعرت باختناق يعتصر قلبها اعتصارا فاندفعت للخارج حيث كان في ذيل القافلة التي كانت تحمل بضاعته وهتفت باسمه فتوقف فرسه مستديرا يتطلع اليها في رغبة قاهرة بترك كل العالم عاداها والعودة اليها لكنه ظل على ثباته وهي تهتف به في نبرة يحدوها الأمل :- ليل ... لا اله الا الله ..

صمت للحظة وتطلع اليها مرددا في صوت متحشرج :- سيدنا محمد رسول الله .. 

واطلق لفرسه العنان ليلحق بالقافلة رغبة في التغلب على ضعفه الذي بدأ يغالبه تاركا إياها تذرف الدمع على رحيله الذي تستشعر بقوة ان لا لقاء بعده ... 

                  ************

اندفع هشام لداخل مكتب العقيد حسان هاتفا في حماس :- الإشارة وصلت يا فندم .. 

هتف العميد حسان :- طب القوة جاهزة ..!؟.. 

اكد هشام :- ايوه يا فندم وكله تمام .. 

هتف حسان :- طب ياللاه على بركة الله .. ربنا ييسرها المرة دي ونمسكهم متلبسين .. 

هتف هشام متضرعا :- يا رب يا فندم .. دي بجد هاتبقى ضربة معلم .. 

هتف العقيد حسان رابتا على كتف هشام في تقدير:- يااارب .. همتك يا بطل .. 

هتف هشام في تواضع وهو يتجه لعربته بمقدمة القوة التي تنتظرهما :- كله على الله يا فندم .. 

وتحركت العربات في سبيلها لإتمام مهمتها ... 

                *************

فتحت نجوى باب شقتهن هاتفة في سعادة وهي تسند أمها لتساعدها على الجلوس على اقرب مقعد حتى تلتقط أنفاسها :- حمدالله على سلامتك يا ست الكل .. البيت نور .. 

ابتسمت أمها في سعادة :- البيت وحشني قوي .. ووحشتني لمتنا جواه .. ربنا يرجع اختك بالسلامة يا نجوى وترجع تكمل لمتنا الحلوة بيها .. 

لثمت نجوى جبينها في مودة هامسة :- باذن الله يا ماما .. سيادة النقيب هشام طمني قبل ما يرجع على أسوان ان باْذن الله هيكون فيه أخبار كويسة عن قريب .. 

همست أمها في تخابث :- ابن حلال هشام ده .. ربنا يكرمه .. شكله فعلا ابن ناس .. 

تنبهت نجوى لتلميح أمها الخفي فاحمرت خجلا لتتسع ابتسامة أمها هامسة داخليا بتضرع الى الله ان يكون هشام من نصيب ابنتها الصغرى التي طالما كانت مصدر اهتمام الجميع اما عين الحياة فقد كانت على يقين من عودتها سالمة حيث هتفت في ثقة :- عارفة يا نجوى .. اختك راجعة باذن الله 

هتفت نجوى :- يا رب يا ماما .. يسمع منك ربنا.. 

استطردت أمها مؤكدة :- ابوكِ جالي ف المنام امبارح وقالي متخافيش عليها .. هترجع .. بس العجيب انه برضو كان زعلان .. بقوله شكلك زعلان ليه كِده يا كامل .. مردش عليا ومشي .. 

اضطربت نجوى فهي على قدر سعادتها بهذه البشرى الرائعة بقرب عودة اختها على قدر حزنها لانها تعلم لما ابوها كان حزينا بالرؤية .. بسبب فقدانهما الوشيك للمصنع الذي كان احب اليه من نفسه .. ذاك السبب الذي لم يكن من الجائز ان تخبر به أمها بعد وعكتها الصحية جراء ما حدث لعين الحياة .. تنهدت نجوى في هم ولم تعقب بل همست تبتهل داخليا .. يااارب .. 

                **************

هتف ليل وهو يقف على رأس رجاله في مرعي الزعيم الأكبر والرأس المدبر لكل عمليات حداد وعصابته :- أديني چيتكم لحد عنديكم وبنفسي.. و دِه مابيحصلش الا مع الحبايب وحداد عارف كِده ومع ذلك المرة اللي فاتت طلع مخون بالجوي .. 

هتف حداد مدافعا عن نفسه في وجود ولي نعمته مرعي :- حجي يا واد عمي .. هي اللي ظهرت دي مش كانت تبعكم برضك .. 

هتف ليل مؤكدا :- لا تبعنا ولا نعرفوها ..من ميتا الحريم ليهم يد مع ليل الچارحي .. وبعدين خلاص راحت لحالها وخلصنا منيها .. خلونا ف اللي چاي.. 

هتف مرعي أخيرا :- صح يا ليل .. خلينا ف اللي چاي .. ايه بجى اللي عنديك ومدوخ وراك المعلمين كلها !؟.. ما تفرچنا كِده حاچة تستاهل ولا باينها حكاوي ملهاش عازة !؟.. 

هتف ليل مقهقها :- لو انت واعي انها ملهاش عازة مكنتش تبجى مشرفنا هنا بنفسك يا واد عمي.. ولا اني غلطان ..!؟.. 

ابتسم مرعي مؤكدا :- صح الصح .. تعچبني .. ياللاه فرچنا بجى لحسن الواحد مشتاج لحاچة نضيفة يطلع منيها بمصلحة زينة .. 

هتف ليل مشيرا لجابر الذي تقدم بأحد الصناديق واضعا إياها في حرص امام مرعي .. 

انفرج الصندوق عن بعض التماثيل الفرعونية المدفونة بالقش ليمد مرعي كفه متطلعا اليها بعين خبير يقلب فيها ذات اليمين وذات الشمال حتى هتف بعد برهة من الوقت :- ايه العظمة ده يا ليل!؟.. هو ده الشغل ولا بلاش .. اصلي اصلي يعني .. دي معدية يا واد أبوي .. 

هتف ليل في ثقة :- ما احنا جلنا الكلام دِه ورچلك كان هيودرنا بالكدب .. 

ضرب مرعي على صدر حداد في حنق هاتفا :- عشان غشيم .. وحجك عليا اني يا كَبير .. طالب فيها كام بجى الحتة اللوز دي !؟.. 

هتف ليل في تعال :- كلك نظر يا معلم .. دي حتت لو راحت مش هترچع تاني .. وانت واعي ان كلامي مظبوط .. 

هتف مرعي في مهادنة :- واني مش هرچع كلمتك واللي تطلبه هتاخده .. عشان تعرف ان المعلم مرعي بيعرف يجدر .. 

هتف ليل بمبلغ طائل نظيرا للقطع الموجودة بالصندوق ليهتف مرعي هازا رأسه في إيجاب :- ماشي .. والله ما ارد لك كلمة .. لأن البضاعة فعلا تستاهل .. وانت ليك حج تتشرط ما انت ابوالعروسة .. 

قهقه الجمع ومرعي يشير لحداد ليناول ليل حقيبة النقود ليفتحها ليل متطلعا اليها ليهتف مرعي :- متعدش وتجل بركتهم والله زي ما طلبت بالمليم .. 

ما ان اغلق ليل الحقيبة حتى بدأت النيران تُصوب اليهم من كل حدب وصوب .. 

تسابق الجميع للإختباء لحماية أنفسهم وبدأ تبادل اطلاق النار بين الطرفين .. الشرطة من جانب وعصابة مرعي وليل على الجانب الأخر .. 

استمر الوضع طويلا حتى توقف اطلاق النار و هتف هشام بداخل جهاز اللاسلكي مؤكدا في فخر:- كله تمام يا فندم .. العملية تمت بنجاح .. صناديق البضاعة تحت ايدينا .. وبنحصر عدد المصابين والوفيات .. 

واستطرد هشام مجيبا على تساؤل من قبل العقيد حسان على الطرف الاخر :- اه يا فندم .. كلهم ماتوا .. حداد ومرعي .. .. 

تطلع هشام الى جثة المذكورين وأخيرا هتف في ثقة :- وطبعا ليل الجارحي .. 

قال كلماته وهو يتطلع الى جثة ليل التي كانت ملقاة امامه مدرجة في دمائها .. 


            *****************


١٤- نقش فرعوني 


ظلت على حالها متكومة على فراشها تتطلع الى الفراغ امامها تنتظرعودته التي لا امل فيها ورغم ذلك تستجديها لعل الله يخلف ظنونها وهواجسها .. مدت كفها تحتضن هديته تتشبث بها كما تمنت لو تشبثت بصاحبها تمنعه الرحيل لمبتغاه .. 

دمعت عيناها وهي تستمع لبعض الجلبة بالخارج لكن صوت تلك السرينة المميزة جعلها تدرك انها ليست الجلبة التي كانت تنتظرها برغم انها كانت تتوقعها .. 

انفرج الباب بعنف ليدخل الى حجرتها عدد من العساكر وأخيرا ظهر الضابط الذي اندفع نحوها في ألفة كأنه يعرفها منذ زمن متسائلا :- أنتِ بخير يا آنسة عين !؟.. 

اومأت برأسها إيجابا رغم شرودها الذي لم يستغربه بل انه قام بمعاونتها على الخروج من الدار لتركب عربته وبإحضانها حقيبة أموالها وهي لاتزل تتشبث بهديته .. مفتاح الحياة ..

                 **************

صرخت نجوى في سعادة غامرة وهي تكاد تعتصر هاتفها :- صحيح !؟.. انت بتتكلم جد يا هشام !؟.. 

صمت للحظة فقد كانت المرة الأولى التي تزيل فيها الألقاب فيما بينهما وهمس مندفعا في سعادة :- اول مرة اسمعك بتناديني باسمي بدون ألقاب .. يا ريتني كنت لقيت اختك من زمان .. 

اضطربت بدورها فلم تكن تقصد ان تغفل التكليف فيما بينهما لكنها السعادة بعودة اختها جعلتها تتخطى الحدود دون ان تدرك فهمست متسائلة تحاول تجاهل كلماته :- هي كويسة !؟.. وهاتيجي امتى !؟.. ولا نيجي ناخدها احنا !؟.. 

هتف هشام مازحا :- يا ستي صبرك عليا .. احنا بس هناخد منها كلمتين وانا هجبها لحد عندكم .. 

سلميلى على الوالدة .. وبشريها برجوع الانسة عين .. حمدالله على سلامتها .. 

هتفت نجوى في سعادة :- حاضر .. هجرى افرحها اهو .. ومتشكرين قوى على تعبك معانا .. الله يسلمك يا حضرة الظابط .. هشام .. 

قالت كلماتها الأخيرة في تردد فقهقه هو لأفعالها واغلق الهاتف مودعا ليعود لعين الحياة التي تركها تتناول عصير الليمون حتى تستعيد بعض من اتزانها قليلا .. 

               ***************

رفعت عين الحياة كوب العصير لترتشف منه القليل قبل ان يهتف هشام مؤكدا :- ايوه .. زي ما بقول لحضرتك كده .. موضع الانسة نجوى كله كان مجرد هزار عشان تطلعك من دوامة الشغل والمسؤولية اللي كنتِ رامية نفسك فيها من ساعة وفاة الوالد ..

همست عين متحشرجة الصوت :- يعني مكنش لا فيه عصابة ولا فدية !؟.. 

ابتسم هشام مؤكدا :- بالظبط .. بس للأسف انتِ قريتي الرسالة اللي نجوى .. اقصد الانسة نجوى بعتتهالك غلط .. بدل اللقاء ما يكون في فندق ابوسمبل انتِ قرتيه ف معبد ابوسمبل .. 

ولما روحتي هناك كان فيه عصابتين بيتاجروا ف الآثار انتِ وقعتي بين أيدين حد فيهم .. 

ترددت للحظة قبل ان تسأل :- طب وايه اللي حصل للعصابة اللي هاجمتوها !؟.. يعني .. 

هتف هشام مقاطعا :- الحمد لله قدرنا نخلص الاثار من أيديهم .. بس معرفناش نمسك حد فيهم حي .. كلهم ماتوا .. 

ارتجفت عندما شعرت بوقع الحقيقة على قلبها وهمست في عدم تصديق :- كلهم  !؟.. 

اكد هشام :- كلهم .. حداد والراس الكبيرة مرعي واس المصايب كلها  ليل الجارحي .. ده ياما دوخنا وراه .. بس اهم نالوا جزاءهم .. 

هزت رأسها في اضطراب وهمست بصوت متحشرج وهي تنهض مترنحة :- معلش يا حضرة الظابط ممكن استأذنك نأجل التحقيق شوية عشان انا فعلا تعبانة وعايزة ارجع الفندق استريح ..!؟

هتف هشام معتذرا :- اه طبعا يا آنسة عين .. انا اسف اني ضغطت عليكِ ف التحقيق .. كان لازم أراعي الضغط العصبي اللي كنتِ فيه .. اتفضلي هوصلك بنفسي للفندق .. 

هتفت عين معترضة :- لا مفيش داعي تتعب نفسك.. واضح ان عندك شغل كتير وانا هاخد تاكسي من قدام القسم .. متشكرة جدااا وباذن الله هاجي بكرة نستكمل التحقيق .. 

هز هشام رأسه موافقا وتركها ترحل في عجالة  لتستقل احدى سيارات الأجرة حتى الفندق .. ألقت بالحقيبة ارضا واتجهت للنافذة تفتحها تحاول استنشاق اكبر قدر ممكن من الهواء ربما يخفف من تلك النيران التي يستعر لظاها بين أضلعها في وجع اصم .. وقفت تتطلع الى النيل ومراكبه الشراعية الراسية على شاطئه ليتناهى لمسامعها صوت ناي يعزف من احدى تلك المراكب وصوت يشاركه الغناء في شجن :- 

الأولة ااه .. يا ليل .. 

چدع بالعشج جلبه سبوه 

والتانية ااه..  يا عين .. 

بنية چمالها ما تلجى اخوه .. 

والتالتة .. اتفرجوا الاحبة .. 

كل خل عن وليفه غربوه .. 

يا مچمعين الاحبة .. 

ردوا كل حِب لحبيبه .. 

يا تشاورا الصبر فين يلجوه ..


تحول ذاك الوجع الأخرس داخلها الى شهقات متتابعة تبعها شلال من دموع ظلت تذرفها في قهر ووجيعة وهي تحتضن هديته بكلا كفيها تعتصرها في شوق لصاحبها الذي أصبحت تدرك اللحظة بكل يقين انها لن تراه مرة أخرى ما حيت .. 

لكنها كانت تدرك تماما ان ذكرى ليل الجارحي ستظل منقوشة على جدران روحها كنقش فرعوني من المستحيل طمس معالمه او حتى ترجمة احرفه.. 

              ***************

هللت نجوى في سعادة وهي تحتضن عين عندما هلت عليها ما ان انفرج باب شقتهن عن محياها بصحبة النقيب هشام .. 

احتضنتها أمها في فرحة لعودتها وكذا فعلت هي رغم كل ما يحتل روحها من اوجاع الا انها تظاهرت بالفرحة كذلك إسعادا لأمها التي علمت انها اجتازت محنة صحية بسبب حزنها على ما حدث لها وكذلك نجوى التي كانت لاتزل تحمل نفسها ذنب ما حصل كله .. 

هتفت نجوى مرحبة بهشام :- اتفضل يا حضرة الظابط .. 

هتف هشام معترضا :- لا مش هاينفع دلوقت .. لازم اروح بقى واسيبكم مع عين .. وهبقى اطمن عليها منك .. خدي بالك منها واضح ان التجربة اللي مرت بيها مكنتش هينة عليها .. 

اومأت نجوى في طاعة لينصرف هشام لتتبع نجوى أمها وعين لحجرة الاخيرة .. 

دخلت عين الحجرة وكأنها غابت عنها سنين طويلة تطلعت حولها في تيه وهمست :- انا عايزة انام .. كأني منمتش من سنين .. 

ربتت أمها على كتفها هامسة في تعاطف :- طبعا يا حبيبتي .. نامي ومحدش هيصحيكِ الا لما تصحي لوحدك .. 

خرجت أمهما من الغرفة وهمت نجوى باتباعها الا انها اقتربت من عين محتضنة إياها في شوق وهمست باكية :- سامحيني يا عين .. انا .. 

ابتسمت عين في مودة رابتة على كتف اختها تحاول ان تطمئنها هامسة :- أسامحك على ايه بس يا نجوى !؟.. انتِ معملتيش حاجة أسامحك عليها.. روحي خليكِ مع ماما وانا هنام شوية وبعدين اصحى ونتجمع تاني سوا زي زمان .. 

قبلتها نجوى في عجالة واندفعت لخارج الغرفة تغلق بابها خلفها لتتمدد عين على فراشها متطلعة لسقف غرفتها متعجبة من حال نجوى التي تظن انها أجرمت في حقها وهي لا تدرك انها رغم كل ما حدث قد جعلتها تدرك ان لها قلب ينبض وروح تعشق .. وان هذه التجربة التي مرت بها ستظل الاروع على الاطلاق .. 


               ***************

تطلعت نجوى لأختها في قلة حيلة هامسة في حنق:- ايه العمل دلوقت يا عين !؟.. بقالنا أسبوعين بنحاول بكل الطرق تسديد الديون اللي ع المصنع مأمكنش .. هنسيب مصنع بابا يروح مننا كده !؟.. 

هتفت عين تحاول التخفيف عن نجوى كما كانت تفعل دائما :- يا حبيبتي انتِ ايه بس اللي شاغلك بالفواتير والديون .. انتِ عروسة  خطوبتها بعد كام يوم .. يعني تقومي تجهزي نفسك وتفرحي .. 

هتفت نجوى في ضيق :- خطوبة ايه يا عين بس ف اللي احنا فيه ده .. انا بفكر نأجلها شوية لحد ما نشوف موضوع المصنع ده هايرسى على ايه .. 

هتفت عين محتجة :- ايه تأجليها دي !؟.. يا بنتي ده هشام كان يحصل له حاجة .. 

قهقهت نجوى متذكرة كيف كان يحاول إقناعهن بعقد القران مباشرة وتجاوز الخطبة وهتفت مؤكدة:- عندك حق .. ده ممكن يروح فيها .. وحقنا للدماء خلاص نتراجع ف موضوع التأجيل ده .. بس برضو معرفناش هانعمل ايه ف المصنع !؟.. 

هتفت عين متنهدة في قلة حيلة :- خلاص يا نجوى.. مبقاش عندنا وسيلة ومستخدمنهاش .. الموضوع بقى اكبر من قدراتنا وللأسف .. المصنع هيتباع ف المزاد العلني .. والسعر اللي هايجي منه هيتسدد منه الديون ولو فيه باقي من فلوس البيع هنحطها وديعة ف البنك لأي ظرف .. 

همست نجوى في حِزن :- يعني خلاص مفيش امل..!؟.. 

هتفت عين في نبرة يعتصرها الحزن :- للأسف مفيش يا نجوى .. 

وتطلعت لصورة ابيها الفوتوغرافية التي تزين الجدار امامها :- ربنا يرحمك يا بابا .. كان نفسنا يفضّل المصنع  عليه اسمك .. لكن ما باليد حيلة .. 

سامحنا يا غالي .. 

سالت دموع نجوى في صمت وقد ادركت كلتاهما ان الامر خرج عن السيطرة وما عاد لهما القدرة على إيقاف مجرى الأحداث ... 


             ******************

١٥-  ليل يا عين 


انتفضت متطلعة لسقف غرفتها تلتقط أنفاسها في تتابع .. ان ذاك الحلم العجيب الذي تكرر عدة مرات لا يريد ان يفارقها .. 

لقد اضناها شوقها الى لقياه وهي تدرك ان ذاك اضحى دربا من مستحيل .. لقد رحل بلا رجعة .. 

وربما ما تره بأحلامها ما هو الا ترجمة لهذا الشوق الطاغي لمحياه .. 

سال الدمع على جانبي وجهها وهي تهمس باسمه في لوعة.. كانت تعلم ان اجتماعهما لم يكن مقبولا فكيف لها ان تلق بقلبها بين كفي رجل كهذا .. اين ذهب تعقلها لتقع في هوى مجرم !؟.. وهل لو كان على قيد الحياة كانت ستقبل ان تقترن به ويكون أبا لأولادها ..!؟.. ذاك يعد ضربا من جنون بل انه الجنون بعينه .. لقد حُكم على اجتماعهما بالإعدام..

اذن فلما لا يتركها طيفه تهنأ في وحدتها او تنل قسطا وافرا من النوم دون ان يزورها مؤرقا إياها!؟.. 

تنهدت في وجع وهي تنهض في تثاقل حتى تجهز نفسها لحضور المزاد الذي سيباع فيه المصنع اليوم .. واعتذرت لأبيها من جديد ودمعها يسيل من جديد على ضياع أحلامها واحدا تلو الاخر .. 

              ***************

لم يكن هينا عليها اوعلى نجوى حضور المزاد العلني الخاص ببيع المصنع .. لكنها ضغطت على نفسها عندما قررت الحضور ونجوى بصحبتها حتى ان هشام اصر على التواجد حتى لا يكونا وحيدتين في ظرف كهذا .. 

جلست عين في الصف الأول وبجوارها نجوى وخطيبها هشام في انتظار بدء المزاد عندما يكتمل باقي الحضور الذين بدأوا في الظهور فرادى ومجموعات .. 

مر بعض الوقت حتى ضرب القائم بالمزاد على طاولة أمامه لينتبه الجميع لبدء المزاد ويلتزم كل مكانه .. 

بدأ المسؤل بوضع سعر مبدأي للمصنع ليبدأ شخص من هنا وشخص من هناك في المزايدة .. 

كانت ضربات قلب عين الحياة تصل لزروتها مع كل هتاف يصل عبر أنحاء القاعة فكل جنيه زيادة عن ديونهما المستحقة الدفع سيكون كل ما تبقى لهن من ثروة ابيهم .. 

توقف الهتاف بالأرقام التي كانت تتقاذف من افواه المتنافسين على الشراء مما دفع القائم بالمزاد على التساؤل :- مين يزود !؟.. لسه بدري يا جماعة .. ده احنا لسه بنقول يا هادي .. 

هتف احدهم على مضض بمبلغ اعلى قليل وصمت ليعيد القائم ندائه من جديد :- هاااا .. مين يزود ..ألااونه .. ألادوي .. ألا..

هتف صوت جهوري من الخلف بمبلغ فاق اخر رقم بمراحل .. 

تطلع الجميع لذاك الذي دخل القاعة متأخرا يرتدي نظارته الشمسية التي تحجب معالم وجهه ويتكئ على عصا ابنوسية لعجز ما بإحدى قدميه .. 

تهامس الجمع عن كينونة الرجل الذي تقدم في هوادة نظرا لإصابة قدمه وما ان اقترب من موضع وجود ثلاثتهم بالصف الأول حتى انتفض هشام هامسا في نبرة متعجبة مخلوطة بسعادة :- سيادة الرائد غيث الجبالي !؟.. 

تنبهت عين لذاك الرجل الذي ما ان اقترب حتى تحرك شيء ما داخلها .. لكنها تجاهلته وكل ما كان يشغل فكرها ساعتها ان ذاك المبلغ الذي عرضه مقابلا للمصنع سيكون اكثر من كافِ لسداد الديون والعيش في بحبوحة دون قلق ..وتطلعت الى هشام متسائلة في استغراب :- هو انت تعرف ده مين يا هشام !؟.. 

تطلع اليها هشام مازحا :- طبعا اعرفه .. 

وغمز بعينه في شقاوة :- وانتِ كمان تعرفيه .. 

استدار غيث لموضع ثلاثتهم والرجل المسؤل عن المزاد قد اكد هاتفا ان المصنع اصبح من حق غيث الجبالي .. 

شهقت عين في صدمة كادت ان تفقدها وعيها .. لا يمكن ان يكون ما تره اللحظة حقيقيا .. انه هو .. 

تغير بعض الشئ .. اختفت اللحية والعمامة الصعيدية .. واُستبدل الجلباب بملابس عصرية .. بنطال من الجينز وسترة جلدية .. ورغم ان نظارته الشمسية اخفت عنها عينيه السمراوتين الا انها ايقنت انه يتطلع اليها اللحظة من خلف زجاجها المعتم فقد استشعرت حرارة جسدها تعلو في اضطراب كبلها حتى عن النهوض لملاقاته بعد ان خلت القاعة برحيل من كانوا يتأملون في شراء المصنع .. 

اندفع هشام مهللا في فرحة تجاه غيث :- حمدالله على سلامة حضرتك يا فندم .. شرفت .. 

ابتسم غيث في مودة رابتا على كتف هشام هاتفا:- الله يسلمك يا هشام .. 

واستطرد مازحا :- ايه رأيك !؟.. جيت ف الوقت المناسب زي ما بيحصل ف الأفلام .. صح !؟..

قهقه هشام مؤكدا :- دايما مواعيد سعادتك مظبوطة بالثانية .. 

هتفت نجوى متعجبة :- هو فيه ايه !؟.. ما حد يفهمنا اللي بيحصل !؟.. 

قهقه هشام واتسعت ابتسامة غيث امرا إياه :- بقولك ايه !؟.. خد خطيبتك وفهمها بالراحة عشان انا ورايا مهمة تانية .. ياللاه انصراف .. 

ارتفعت ضحكات هشام وادى التحية العسكرية في عجالة جاذبا نجوى خلفه راحلين خارج القاعة .. 

كانت عين لاتزل على ذهولها تتطلع لما كان يحدث ولا تستطيع التفاعل معه او حتى استيعابه .. 

نظراتها معلقة بذاك الرجل الذي يقترب منها اللحظة حتى جلس جوارها هامسا في مشاكسة وهو يخلع عنه نظارته الشمسية :- أديني خلعت النضارة يمكن تعرفينى .. 

تطلعت لعمق عينيه السمراء التي دوما ما خلبت لبها وهمست بصوت متحشرج تأثرا لا تصدق انه امامها حيّا يرزق :- ليل !؟.. ليل الجارحي !؟.. 

ابتسم في محبة متطلعا اليها في عشق هامسا :- غيث الچبالي .. الرائد غيث الچبالي .. يا داكتورة.. 

 وغمز بعينه هامسا :- اهاا كلمتك صعيدي يمكن كِده تصدجي اني ليل ..

وهمس بصوت أبح :-  ايوه ليل يا عين .. 

دمعت عيناها حينما بدأت تستوعب الامر ليهمس متطلعا اليها في شوق :- انا جيت مخصوص عشان اعرفك ايه هو الاختيار التالت على فكرة .. 

وقهقه ساخرا :- بزمتك حد يختار حاجة هو مش عارفها !؟.. 

همست وقد استعادت بعض ثباتها :- مكنتش عايزة اموت ومكنتش هعرف ابلغ عنك .. يبقى اكيد الاختيار التالت ارحم  حتى ولو معرفوش.. 

همس مشاكسا وهو يقترب منها :- من ناحية ارحم فمعتقدش ان فيه أي رحمة .. 

تطلعت اليه مستفسرة في اضطراب ليهمس في عبث :- لو جوازك مني رحمة .. يبقى انتِ موهومة بجد .. 

شهقت فاغرة فاها ليقهقه مؤكدا :- ايوه .. هتجوزك يا عين الحياة .. وانت اللي اختارتي.. 

همست بتلبك وهي تهم بالنهوض راحلة :- انا لازم امشي .. ومبروك عليك المصنع .. 

أمسك بذراعها يدفعها للجلوس من جديد :- انا مش هقدر أقوم وأجري وراكِ .. راعي شيبتي ووجع رجلي واقعدي اسمعيني .. 

جلست مرة أخرى على مقعدها جواره هامسة في تساؤل :- ايه اللي حصل لرجلك !؟.. 

اكد مبتسما :- حاجة بسيطة الحمد لله .. إصابة اثناء العملية الأخيرة .. عملية ليل الجارحي .. ده يا ستي مهرب اثار كان مدوخنا وراه .. لكن بفضل الله قدرنا نوقعه ونكتم ع الخبر .. ليل محدش كان يعرفه ولا شاف شكله شخصيا .. فكانت فرصة ان حد يتنكر مكانه عشان نوقع كل الشبكة اللى كان بيتعامل معاها .. ووقع الاختيار على العبد لله .. 

أولا لاني صعيدي الأصل متشرب اللهجة الصعيدية من الوالد اللي كان من أعيان مدينة دراو بأسوان وكنت مخالط اهل النوبة طول عمري واعرف لهجتهم لان اللى ربتني بعد امي الله يرحمها كانت الخالة زينة ام جابر .. 

هتفت مقاطعة في تعجب :- جابر !؟.. هو كان معاك ف العملية كمان ..!؟.. 

اكد وقد اتسعت ابتسامته :- اكيد طبعا وساعدني كتير جداااا .. 

واستطرد وهو يميل نحوها قليلا هامسا في محبة :- كل حاجة كانت ماشية عال لحد ما ظهرتي.. ضيعتي عليا تعب شهور ومش بس كده .. لا وإصابة كنت هروح فيها .. 

نكست رأسها هامسة :- كنت بحاول انقذ اختي .. مكنتش انت المقصود ولا كنت عايزة اعرفك من أساسه ..

ورفعت رأسها متطلعة اليه هامسة في وجد :- لكن ساعتها استغربت بجد .. ليه واحد زيك يقف ياخد رصاصة بدل واحدة ميعرفهاش ..!؟..

همس غيث مؤكدا :- عشان دي وظيفتي اني احمي أي حد ف خطر .. 

واستطرد في رقة :- بس كانت اجمل رصاصة خدتها ف حياتي .. اول ما فتحت عيني عليكِ وانتِ بتعالجيني حسّيت إحساس غريب وانتِ قصادي عمري ما حسيته قبل كده .. كان ممكن ادبر مع جابر طريقة تبعدك عن مكانا .. لكن كنت بتحجج انك ممكن توقعي ف ايد حداد فالأحسن انك تفضلي تحت عيني .. عين .. انا بحبك وعايز اتجوزك .. والمصنع ده مهرك .. من اول ما اعترفت لنفسي اني عاشقك وعرفت اد ايه المصنع ده يهمك قلت هايبقى مهرك باْذن الله .. هااا .. تقبلي .. 

كانت ضربات قلبها قد تجاوزت سرعتها المفترضة حتى انها شعرت ان خفقات فؤادها قد أصبحت تقف بحلقها تمنعها من الإجابة ..

فركت كفيها في حياء وهمست أخيرا :- وانا هتجوز مين .. ليل الجارحي ولا غيث الجبالي !؟.. 

همس مشاغبا :- الاتنين واحد طلعي عينهم زي ما انت عايزة .. المهم انك تقبلي تكوني ف حياتي .. 

قهقهت في سعادة وأخيرا همست وهي تهز رأسها في إيجاب :-  اقبل يا ليل .. اقصد يا غيث ..  

لتتسع ابتسامته وقد ادرك انه نال ما كان يرغب منذ وقعت عيناه عليها .. 

               

          ***************

الخاتمة 


دفع الباب بقدمه وهو يحملها في سعادة لداخل جناحهما الذي اصر على حجزه بأسوان لقضاء شهر العسل والسفر اليه بعد انتهاء حفل الزفاف مباشرة .. 

انزلها في رقة داخل الجناح بعد ان اغلق الباب دافعا إياه بقدمه من جديد ..

همس لها في محبة :- هاا .. ايه رأيك !؟.. 

تطلعت للجناح حولها في سعادة وأخيرا همست في حياء :- حلو قووي .. أي مكان معاك يبقى جنة .. حتى ولو كان قلب عاصفة رملية ف عز الصحرا.. 

اقترب منها هامسا في وجل وهو يرفع ذقنها ليتطلع لعمق عينيها الساحرة :- انتِ لسه فاكرة !؟.. 

جال بصرها على ملامح وجهه التي تعشق وهمست في هيام :- ولا عمري هنسى .. انا عشت معاك لحظات امان ف عز الخطر .. عمرى ما حستها بعد وفاة بابا الله يرحمه .. ازاي ده يتنسي..!؟.. 

احتضن خصرها مقربا إياها لصدره هامسا بنبرة عاشق :- انتِ عارفة !؟.. المهمة دي كانت المفروض تخلص قبل ميعادها بفترة وانا اللي كنت بأجل ميعاد تسليم البضاعة .. تفتكري ليه !؟.. 

همست متسائلة :- ليه !؟.. 

همس وهويزيدها اقترابا منه :- عشان كان فيه واحدة كانت اول ما تبص ف عيني أنسى الدنيا وما فيها .. واحدة علمتني الفضيلة وانا محرص اجي جنبها او اقرب منها بعد ما وقعت فحضني وانا بحاول أنقذها وشقلبت حالي ..واحدة برجلتني وانا بشبك لها ايدي عشان تطلع عليهم فوق الجمل وتعتق قلبي لوجه الله .. 

دمعت عيناها عشقا وهمست :- ده بجد !؟ ..

ضمها بين ذراعيه هامسا في عشق :- واه من وجع حالي ف بعدك يا كل حالي .. 

تعلقت برقبته تسند جبينها على صدره  ليستطرد في وجد هامسا بالقرب من مسامعها :- وأخيرا ليل لقي عين .. 

رفعت ناظريها اليه تطالع ذاك الهيام الذي فاض من نظراته وهو يعود ليضمها اليه من جديد ليجتمعا أخيرا..  وتكتمل الأنشودة .. أنشودة العشق وينتهي موال الغربة للأبد ..

               *************

تململت موضعها جواره على فراشهما لتجده يغط في نوم عميق فتسللت في بطء وارتدت مئزرها واتجهت خارجا لبهو الجناح تقف بشرفته متطلعة لذاك الفجر الوليد بالافق غامرا إياها بسلام  مخلوط بفرحة لم تكن تتخيل انها قد تعيشها يوما 

ابتسمت رغما عنها وهي تتذكر لحظاتهما معا فذاك الوصل الذي ظنت انه قد استحال للأبد اصبح واقعا ما بين غمضة عين وانتباهتها .. 

مدت كفها تحتضن قلادته في محبة ولازالت الابتسامة تكلل محياها .. 

شهقت في انتفاضة عندما غمرها  ضاما ظهرها لصدره مطوقا إياها بين ذراعيه هامسا بالقرب من مسامعها وهو يسند ذقنه على كتفها :- قومتي من جنبي ليه ..!؟.. انتِ متعرفيش ان دي مخالفة للأوامر وفيها جزا .. 

همست مدعية الخوف :- العفو والسماح يا فندم .. 

ابتسم غيث هامسا :- عفونا عنك .. لكن لو اتكرر الكلام ده تاني .. 

هتفت تقاطعه مشاكسة :- هيحصل ايه يعني !؟.. 

هتف مدعيا الغضب :- هتشوفي الجزا على اصوله.. 

همست تحتضن كفيه لصدرها :- احلى جزا ف الدنيا طالما منك .. 

همس مشاكسا :- انتِ عارفة انا نفسي ف ايه دلوقتي !؟.. 

همهمت ليستطرد :- نفسي ف طبق مِديدة جامد.. 

استدارت تتطلع نحوه مدعية الحنق :- مِديدة ف فندق خمس نجوم ويوم الصباحية. !؟.. اووف .. استغفر الله العظيم .. 

انفجر ضاحكا لتقليدها جابر الذي لم يكن يكف عن الاستغفار ممتعضا لأفعاله .. 

وما ان هم بحملها ليعودا للداخل حتى توقف لتستدير محتضنا إياها عندما تناهى لمسامعهما شدو يتسلل اليهما عبر نسائم الصباح الاولي من احدى تلك المراكب الشراعية التي ترسو بالقرب على الجانب الاخر من الفندق :- 

سايج عليك النبي ان كنت باجيني ..

تضحك بسن الرضا ساعة تلاجيني ..

انا الورد يا حلو وانت الماء بترويني..

ان غبت دبلتني وان چيت بتحييني ..

وسر تربة نبي زين احمد شهر دينه.. 

ان كان غيرك جمر ما تنضره عيني .


همس محتضنا إياها بقوة وهما يتطلعا لذاك المنظر الخلاب قبالتهما وقد هزه وقع الكلمات التي تغنى بها ذاك الرجل القابع بمركبه :- سامعة الكلام..!؟.. والله صدق .. 

همست عين مأخوذة  :- صدق ف ايه !؟.. 

أدارها اليه هامسا :- وان كان غيرك جمر ما تنضره عيني .. ده انتِ فرحة العمر يا عين .. 

همست متطلعة اليه مشدوهة :- غيث .. انت واخدني معاك على فين !؟.. 

ابتسم وجذبها للداخل هاتفا :- تعالي اقولك واخدك على فين  ده انا نسيت اديكِ هدية جوازنا ..

هتفت متعجبة :- وكمان هدية !؟.. 

وقفت على اعتاب الحجرة تتطلع الى التمثالين الموضوعين على الطاولة الملاصقة لفراشهما وهتفت في عدم تصديق :- ايه ده !؟.. 

امسك بكفها حتى الطاولة مشيرا للتمثالين معرفا في فخر:- ده اله المحبة والتاني اله الخصوبة والأمومة عند القدماء المصريين .. 

قهقهت غير قادرة على تمالك نفسها وأخيرا هتفت متذكرة :- مش دوول اللي انا خدتهم م الصندوق.. 

هز رأسه مؤكدا وهو يهمس في مجون محتضنا إياها :- انتِ اللي جبتيه لنفسك .. حد قالك تختاري دوول بالذات .. كان ماله اله الحرب !؟.. 

قهقت من جديد وهو يغمرها بين ذراعيه يبثها الكثير من العشق غارسا بذوره بقلبها في انتظار موسم الحصاد .. 


              **************

                                

                        تمت بحمد الله 

                     

                        رضوى جاويش

إللي عاوز روايات حصريه وجديده كامله يحمل التطبيق ده 👇👇👇👇👇👇👇👇👇


التحميل من هنا




Enregistrer un commentaire

Plus récente Plus ancienne